تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٤٢
أي فرقا تشايع كل فرقة أمامها الذي مهد لها دينها وقرره ووضع أصوله * (كل حزب بما لديهم) * من الدين المعوج المؤسس على الرأس الزائغ والزعم الباطل * (فرحون) * مسرورون ظنا منهم أنه حق، والجملة قيل اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من تفريق دينهم كونهم شيعا، وقيل: في موضع نصب على أنها صفة * (شيعا) * بتقدير العائد أي كل حزب منهم، وزعم بعضهم كونها حالا. وجوز أن يكون * (فرحون) * صفة لكل كقول الشماخ: وكل خليل غير هاضم نفسه * لوصل خليل صارم أو معارز والخبر هو الظرف المتقدم أعني قوله تعالى: * (من الذين فرقوا دينهم) * (الروم: 32) فيكون منقطعا عما قبله، وضعف بأنه يوصف المضاف إليه في نحوه صرح به الشيخ ابن الحاجب في قوله: وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان وفي البحر أن وصف المضاف إليه في نحوه هو الأكثر وأنشد قوله: جادت عليه كل عين ترة * فتركن كل حديقة كالدرهم وما قيل: إنه إذا وصف به * (كل) * دل على أن الفرح شامل للكل وهو أبلغ ليس بشيء بل العكس أبلغ لو تؤمل أدنى تأمل.
* (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذآ أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) *.
* (وإذا مس النصاس ضر) * أي شدة * (دعوا ربهم منيبين إليه) * راجعين إليه تعالى من دعاء غيره عز وجل من الأصنام وغيرها * (ثم إذا أذاقهم منه رحمة) * خلاصا من تلك الشدة * (إذا فريق بربهم) * الذي كانوا دعوه منيبين إليه * (يشركون) * أي فاجأ فريق منهم الإشراك وذلك بنسبة خلاصهم إلى غيره تعالى من صنم أو كوكب أو نحو ذلك من المخلوقات؛ وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك، وتنكير * (ضر. ورحمة) * للتعليل إشارة إلى أنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة ويطغون لأدنى نعمة، و " ثم " للتراخي الرتبى أو الزماني.
* (ليكفروا بمآ ءاتين‍اهم فتمتعوا فسوف تعلمون) *.
* (ليكفروا بما اتيناهم) * اللام فيه للعاقبة وكونها تقتضي المهلة ولذا سميت لام المآل والشرك والكفر متقاربان لا مهلة بينهما كما قيل لا وجه له، وقيل: للأمر وهور للتهديد كما يقال عند الغضب اعصني ما استطعت وهو مناسب لقوله سبحانه: * (فنمتعوا) * فإنه أمر تهديدي، واحتمال كونه ماضيا معطوفا على " يشركون " لا يخفي حاله، والفاء للسبيية، والتمتع التلذذ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب * (فسوف تعلمون) * وبال تمتعكم. وقرأ أبو العالية " فيمتعوا " بالياء التحتية مبنيا للمفعول وهو معطوف على * (يكفروا. فسوف يعلمون) * بالياء التحتية أيضا، وعن أبي العالية أيضا * (فيتمتعوا) * بياء تحتية قبل التاء وهو معطوف على * (يكفروا) * أيضا، وعن ابن مسعود * (وليتمتعوا) * باللام والياء التحتية وهو عطف على * (ليكفروا) *.
* (أم أنزلنا عليهم سلط‍انا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) *.
* (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * التفات من الخطاب إلى الغيبة إيذانا بالاعراض عنهم وتعديدا لجناياتهم لغيرهم بطريق المباثة، و * (أم) * منقطعة، والسلطان الحجة فالإنزال مجاز عن التعليم أو الإعلام، وقوله تعالى: * (فهو يتكلم) * بمعنى فهو يدل على أن التكلم مجاز عن الدلالة، ولك أن تعتبر هنا جميع ما اعتبروه في قولهم: نطقت الحال من الاحتمالات، ويجوز أن يراد بسلطانا ذا سلطان أي ملكا معه برهان فلا مجاز أولا وآخرا.
وجملة * (هو يتكلم) * جواب للاستفهام الذي تضمنته * (أم) * إذ المعنى بل أأنزلنا عليهما سلطانا فهو يتكلم
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»