تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٣٢
أي المتصفين بالعلم كما في قوله تعالى: * (وما يعقلها إلا العالمون) * (العنكبوت: 43) وقرأ الكثير * (العالمين) * بفتح اللام، وفيه دلالة على وضوح الآيات وعدم خفائها على أحد من الخلق كافة.
* (ومن ءاي‍اته منامكم باليل والنهار وابتغآؤكم من فضله إن فى ذلك لايات لقوم يسمعون) *.
* (ومن ءاياته منامكم) * أي نومكم * (بالليل والنهار) * لاستراحة القوى النفسانية وتقوى القوى الطبيعية * (وابتغاؤكم) * أي طلبكم * (من فضله) * أي بالليل والنهار، وحذف ذلك لدلالة ما قيل عليه، ونظيره قوله: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم * ومقتلهم عند الوغى كان أغدرا فإنه أراد يقتلون نفوسهم عند السلم وحذف لدلالة الوغى في الشطر الثاني عليه، والنوم بالليل والابتغاء من الفضل أي الكسب بالنهار أمران معتادان، وأما النوم بالنهار فكنوم القيلولة، وأما الكسب بالليل فكما يقع من بعض المكتسبين، وأهل الحرف من السعي والعمل ليلا لا سيما في أطول الليالي وعدم وفاء نهارهم بأغراضهم، ومن ذلك حراسه الحوانيت بالأجرة وكذا قطع البراري في الأسفار ليلا للتجارة ونحوها، وقال الزمخشري: وهذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينين الأولين أعني منامكم وابتغاؤكم بالقرينين الآخرين أعني الليل والنهار لأنهما ظرفان والظرف والواقع فيه كشيء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد وهو الوجه الظاهر لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن انتهى؛ والظاهر أنه أراد باللف الاصطلاحي ولا يأبى ذلك توسيط الليل والنهار لأنهما في نية التأخير وإنما وسطا للاهتمام بشأنهما لأنهما من الآيات في الحقيقة لا المنام والابتغاء على ما حققه في " الكشف " مع تضمن توسيطهما مجاورة كل لما وقع فيه فالجار والمجرور قيل حال مقدمة من تأخير أي كائنين بالليل والنهار، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي وذلك بالليل والنهار، والجملة في " النظم الكريم " معترضة، وعلى كلا القولين لا يرد على الزمخشري لزوم كون النهار معمولا للابتغاء مع تقدمه عليه وعطفه على معمول * (منامكم) * وفي اقتران الفضل بالابتغاء إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من نفسه وبحذقه بل يرى كل ذلك من فضل ربه جل وعلا.
* (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * أي شأنهم أن يسمعوا الكلام سماع تفهم واستبصار، وفيه إشارة إلى ظهور الأمر يحيث يكفي فيه مجرد السماع لمن له فهم وبصيرة ولا يحتاج إلى مشاهدة وإن كان مشاهدا.
وقال الطيبي: جىء بالفاصلة هكذا لأن أكثر الناس منسدحون بالليل كالأموات ومترددون بالنهار كالبهائم لا يدرون فيم هم ولم ذلك لكن من ألقى السمع وهو شهيد يتنبه لوعظ الله تعالى ويصغي إليه لأن مر الليالي وكر النهار يناديان بلسان الحال الرحيل الرحيل من دار الغرور إلى دار القرار كما قال تعالى: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) * (الفرقان: 62) وذكر الإمام أن من الأشياء ما يحتاج في معرفته إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه فيفهم إذا سمع من ذلك المرشد، ولما كان المنام والابتغاء قد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد فيحتاج معرفة أنهما من آياته تعالى إلى مرشد يعين الفكر قيل: * (لقوم يسمعون) * فكأنه قيل: لقوم يسمعون ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد انتهى؛ ولعل الاحتياج إلى مرشد يعين الفكر في أن الليل والنهار من الآيات بناء على ما سمعت في بيان نكتة التوسيط أظهر فتأمل.
* (ومن ءاي‍اته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السمآء مآء فيحى به الارض بعد موتها إن فى ذلك لاي‍ات لقوم يعقلون) *.
* (ومن ءاياته يريكم البرق) * ذهب أبو علي إلى أنه بتقدير أن المصدرية والأصل أن يريكم فحذف أن وارتفع الفعل وهو الشائع بعد الحذف في مثل ذلك، وشذ بقاؤه منصوبا بعده وقد روي بالوجهين قول طرفة:
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»