* (وإن الله) * المتصف بجميع صفات الكمال الذي بلغت عظمته في القلوب ما بلغت * (لمع المحسنين) * معية النصرة والمعونة وتقدم الجهاد المحتاج لهما قرينة قوية على إرادة ذلك، وقال العلامة الطيبي: إن قوله تعالى: * (لمع المحسنين) * قد طابق قوله سبحانه: * (جاهدوا) * لفظا ومعنى، أما اللفظ فمن حيث الإطلاق في المجاهدة والمعية، وأما المعنى فالمجاهد للأعداء يفتقر إلى ناصر ومعين، ثم إن جملة قوله عز وجل: * (إن الله لمع المحسنين) * تذييل للآية مؤكد بكلمتي التوكيد محلى باسم الذات ليؤذن بأن من جاهد بكليته وشراشره في ذاته جل وعلا تجلى له الرب عز اسمه الجامع في صفة النصرة والإعانة تجليا تاما، ثم إن هذه خاتمة شريفة للسورة لأنها مجاوبة لمفتتحها ناظرة إلى فريدة قلادتها * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * (العنكبوت: 2) لامحة إلى واسطة عقدها * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) * (العنكبوت: 56) وهي في نفسها جامعة فاذة اه.
و * (أل) * في المحسنين يحتمل أن تكون للعهد فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويحتمل أن يكون للجنس فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة ويدخل أولئك دخولا أوليا برهانيا. وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر * (المحسنين) * بالموحدين وفيه تأييد ما للاحتمال الثاني والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (أحسب الناس أن يتركوا) * (العنكبوت: 2) الآية قال ابن عطاء: ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة ولا يطالبون بحقائقها وهي صب البلاء على المحب وتلذذه بالبلاء الظاهر والباطن، وهذا كما قال العارف ابن الفارض قدس سره: وتعذيبكم عذب لدى وجوركم * علي بما يقضي الهوى لكم عدل وذكروا أن المحبة والمحنة توأمان وبالامتحان يكرم الرجل أو يهان * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * (العنكبوت: 10 ) إشارة إلى حال الكاذبين في دعوى المحبة وهم الذين يصرفون عنها بأذى الناس لهم * (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) * (العنكبوت: 17) قال ابن عطاء: أي اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة، وقال سهل: اطلبوه في التوكل لا في المكسب فإن طلب الرزق فيه سبيل العوام * (وقال إني مهاجر إلى ربي) * (العنكبوت: 26) أي مهاجر من نفسي ومن الكون إليه عز وجل، وقال ابن عطاء: أي راجع إلى ربي من جميع مالي وعلي، والرجوع إليه عز وجل بالانفصال عما دونه سبحانه، ولا يصح لأحد الرجوع إليه تعالى وهو متعلق بشيء من الكون بل لا بد أن ينفصل من الأكوان أجمع * (وتأتون في ناديكم المنكر) * (العنكبوت: 29) سئل الجنيد قدس سره عن هذه الآية فقال: كل شيء يجتمع الناس عليه إلا الذكر فهو منكر * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) * (العنكبوت: 41) أشار سبحانه وتعالى إلى من اعتمد على غير الله عز وجل في أسباب الدنيا والآخرة فهو منقطع عن مراده غير واصل إليه، قال ابن عطاء: من اعتمد شيئا سوى الله تعالى كان هلاكه في نفس ما اعتمد عليه، ومن اتخذ سواه عز وجل ظهيرا قطع عن نفسه سبيل العصمة ورد إلى حوله وقوته.
* (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) * (العنكبوت: 43) فيه إشارة إلى أن دقائق المعارف لا يعرفها إلا أصحاب الأحوال العالمون به تعالى وبصفاته وسائر شؤونه سبحانه لأنهم علماء المنهج، وذكر أن العالم على الحقيقة من