تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٥١
السبيل القويم انتهى فتأمل ولا تغفل.
* (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمه‍اتهم وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض فى كت‍ابالله من المؤمنين والمه‍اجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليآئكم معروفا كان ذلك فى الكت‍ابمسطورا) *.
* (النبي أولى بالمؤمنين) * أي أحق وأقرب إليهم * (من أنفسهم) * أو أشد ولاية ونصرة لهم منها فإنه عليه الصلاة والسلام لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فإنها أما أمارة بالسوء وحالها ظاهرا أولا فقد تجعل بعض المصالح وتخفى عليها بعض المنافع وأطلقت الأولوية ليفيد الكلام أولويته عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور ويعلم من كونه صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من كل من الناس، وقد أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " ولا يلزم عليه كون الأنفس هنا مثلها في قوله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (النساء: 29) لأن إفادة الآية المدعى على الظاهر ظاهرة أيضا، وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة في حق المؤمنين يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه عليه الصلاة والسلام عليهم أنفذ من حكمها وحقه آثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وسبب نزول الآية على ما قيل ما روى من أنه عليه الصلاة والسلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال أناس منهم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى ولا حاجة إلى حمل أنفسهم عليه على خلاف المعنى المتبادر كما أشرنا إليه آنفا * (وأزواجه أمهاتهم) * أي منزلات منزلة أمهاتهم في تحريم النكاح واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن كالأجنبيات، وفرع على هذ القسطلاني في المواهب أنه لا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين في الأصح، والطبرسي وهو شيعي أنه لا يقال لإخوانهن أخوال المؤمنين، ولا يخفى أنه يسر حسوا بارتغاء، وفي " المواهب " أن في جواز النظر إليهن وجهين أشهرهما المنع، ولكون وجه الشبه مجموع ما ذكر قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لامرأة قالت لها يا أمه: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم أخرجه ابن سعد. وابن المنذر. والبيهقي في " سننه " عنها، ولا ينافي هذا استحقاق التعظيم منهن أيضا.
وأخرج ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أنا أم الرجال منكم والنساء وعليه يكون ما ذكر وجه الشبه بالنسبة إلى الرجال وأما بالنسبة إلى النساء فهو استحقاق التعظيم، والظاهر أن المراد من أزواجه كل من أطلق عليها أنها زوجة له صلى الله عليه وسلم من طلقها ومن لم يطلقها، وروى ذلك ابن أبي حاتم عن مقاتل فيثبت الحكم لكلهن وهو الذي نص عليه الإمام الشافعي وصححه في الروضة، وقيل: لا يثبت الحكم لمن فارقها عليه الصلاة والسلام في الحياة كالمستعيذة والتي رأى بكشحها بياضا، وصحح أمام الحرمين. والرافعي في الصغير تحريم المدول بها فقط لما روى أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فهم عمر برجمه فأخبره أنها لم تكن مدخولا بها فكف، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه هم برجمها فقالت له: ولم هذا؟ وما ضرب على حجاب ولا سميت للمسلمين أما فكف عنها، وذكر في " المواهب " أن في حل من اختارت منهن الدنيا للأزواج طريقين. أحدهما: طرد الخلاف والثاني: القطع بالحل، واختار هذا الإمام
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»