تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٠٤
كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته وقد سمعت الكلام فيه، وأما وجه سببية كون ما يدعونه من دونه إلها باطلا ممكنا في ذاته لذلك فهو أن إمكانه على علو شأنه عندهم على ما عداه مما لم يعتقدوا إلهيته يستلزم إمكان غيره مما سوى الله عز وجل لأن ما فيه مما يدل على إمكانه موجود في ذلك حذو القذف بالقذة ومتى كان ما يدعونه إلها من دونه تعالى وغيره مما سوى الله سبحانه وتعالى ممكنا انحصر وجوب الوجود في الله تعالى فيكون جل وعلا وحده واجب الوجود في ذاته وقد علمت إفادته للمطلوب وكأنه إنما قيل أن ما يدعون من دونه الباطل دون أن ما سواه الباطل مثلا نظير قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل تنصيصا على فظاعة ما هم عليه واستلزام ذلك إمكان ما سوى الله تعالى من الموجودات من باب أولى بناء على ما يزعم المشركون في آلهتهم من علو الشأن ولم يكتف في بيان السبب بقوله سبحانه: * (بأن الله هو الحق) * بل عطف عليه ما عطف مع أنه مما يعود إليه وتشعر تلك الجملة به إظهارا لكمال العناية بالمطلوب وبما يفيده منطوق المعطوف من بطلان الشريك وكونه تعالى هو العلي الكبير.
وقيل: أي ذلك الاتصاف بما تضمنته الآيات من عجائب القدرة والحكمة بسبب أن الله تعالى هو الإله الثابت إلهيته وإن من دونه سبحانه باطل الإلهية وإن الله تعالى هو العلي الشأن الكبير السلطان ومدار أمر السببية على كونه سبحانه هو الثابت الإلهية وبين ذلك الطيبي بأنه قد تقرر أن من كان إلها كان قادرا خالقا عالما إلى غير ذلك من صفات الكمال ثم قال إن قوله تعالى ذلك بأن الله هو الحق كالفذلكة لما تقدم من قوله تعالى: * (ألم تروا أن الله سخر لكم) * (لقمان: 31) إلى * (هذا المقام) * وقوله تعالى: * (وأن الله هو العلي الكبير) * كالفذلكة لتلك الفواصل المذكورة هنالك كلها.
ولعل ما قدمنا أولى بالاعتبار، وقال العلامة أبو السعود في الاعتراض على ذلك: أنت خبير بأن حقيته تعالى وعوله وكبرياءه وإن كانت صالحة لمناطية ما ذكر من الصفات لكن بطلان إلهية الأصنام لا دخل له في المناطية قطعا فلا مساغ لنظمه في سلك الأسباب بل هو تعكيس للأمر ضرورة أن الصفات المذكورة هي المقتضية لبطلانها لا أن بطلانها يقتضيها انتهى، وفيه تأمل والعجب منه أنه ذكر مثل ما اعترض عليه في نظير هذه الآية في سورة الحج ولم يتعقبه بشيء.
وجوز أن يكون المعنى ذلك أي ما تلى من الآيات الكريمة بسبب بيان أن الله هو الحق إلهيته فقط ولأجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد ولأجل بيان بطلان إليهة ما يدعون من دونه لكونها شاهدة شهادة بينة لا ريب فيها ولأجل بيان أنه تعالى هو المرتفع على كل شيء المتسلط عليه فإن ما في تضاعيف تلك الآيات الكريمة مبين لاختصاص العلو والكبرياء به أي بيان وهو وجه لا تكلف فيه سوى اعتبار حذف مضاف كما لا يخفى وكأنه إنما قيل هنا: وأن ما يدعون من دونه الباطل بدون ضمير الفصل، وفي سورة الحج وأن ما يدعون من دونه هو الباطل بتوسيط ضمير الفصل لما أن الحط على المشركين وآلهتهم في هذه السورة دون الحط عليهم في تلك السورة.
وقال النيسابوري في ذلك أن آية الحج وقعت بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين فناسب ذلك توسيط الضمير بخلاف ما هنا ويمكن أن يقال تقدم في تلك السورة ذكر الشيطان مرات فلهذا ذكرت تلك المؤكدات بخلاف هذه السورة فإنه لم يتقدم ذكر الشيطان فيها نحو ذكره هناك، وقرأ نافع. وابن كثير.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»