تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٠٠
والأقلام وإنما هو من حديث المداد. وفي البحران الواو على هذه القراءة للحال أو للعطف على ما تقدم، وإذا كانت للحال كان * (بحر) * مبتدأ وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة تقدم تلك الواو فقد عد من مسوغات الابتداء بالنكرة كما في قوله:
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا * محياك أخفى ضوءه كل شارق اه‍ ولا يخفى أنه إذا عطف على فاعل ثبت فجملة * (يمده) * في موضع الصفة له لا حال منه؛ وجوز ذلك من جوز مجيء الحال من النكرة، والظاهر على تقدير كونه مبتدأ جعل الجملة خبره ولا حاجة إلى جعل خبره محذوفا كما فعل ابن جنى.
وقرأ ابن مسعود. وأبي * (تمده) * بتاء التأنيث من مد كالذي في قراءة الجمهور. وقرأ ابن مسعود أيضا. والحسن. وابن مصرف. وابن هرمز * (يمده) * بضم الياء التحتية من الأمداد. قال ابن الشيخ: يمد بفتح فضم ويمد بضم فكسر لغتان بمعنى. وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما * (والبحر مداده) * أي ما يكتب به من الحبر، وقال ابن عطية: هو مصدر * (معا نفدت كلمات الله) * جواب * (لو) * وفي الكلام اختصار يسمى حذف إيجاز ويدل على المحذوف السياق والتقدير ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله تعالى ما نفدت لعدم تناهيها ونفد تلك الأقلام والمداد لتناهيها، ونظير ذلك في الاشتمال على إيجاز الحذف قوله تعالى: * (أو به أذى من رأسه ففدية) * (البقرة: 196) أي فحلق رأسه لدفع ما به من الأذى ففدية، والمراد بكلماته تعالى كلمات علمه سبحانه وحكمته جل شأنه وهو الذي يقتضيه سبب النزول على ما أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروم فأنزل سبحانه * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتنيا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت * (ولو أن) * الخ. وظاهر هذا أن اليهود قالوا: ذلك له عليه الصلاة والسلام مشافهة وهو ظاهر في أن الآية مدنية، وقيل: إنهم أمروا وفد قريش أن يقولوا له صلى الله عليه وسلم ذلك وهذا القائل يقول: أنها مكية، وحاصل الجواب أنه وإن كان ما أوتيتموه خيرا كثيرا لكونه حكمة إلا أنه قليل بالنسبة إلى حكمته عز وجل. وفي رواية أنه نزل بمكة قوله تعالى: * (ويسألونك) * الخ فلما هاجر عليه الصلاة والسلام أتاه أحبار اليهود فقالوا بلغنا أنك تقول: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * أفعنيتنا أم قومك فقال صلى الله عليه وسلم: " كلا عنيت " فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك إن أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال عليه الصلاة والتحية: " هي في علم الله تعالى قليل وقد أتاكم ما إن عملتم به نجوتم " قالوا: يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * (البقرة: 269) فكيف يجتمع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " هذا علم قليل وخير كثير " فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهذا نص في أن الآية مدنية، وقيل: المراد بها مقدوراته جل وعلا وعجائبه عز وجل التي إذا أراد سبحانه شيئا منها قال تبارك وتعالى له: * (كن فيكون) * ومن ذلك قوله تعالى في عيسى: * (وكلمته ألقاها إلى مريم) * (النساء: 171) وإطلاق الكلمات على ما ذكر من اطلاق السبب على المسبب، وعلى هذا وجه ربط الآية بما قبلها أظهر على ما قيل وهو أنه سبحانه لما
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»