تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٠٧
لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور مقابل لشكور.
* (ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيواة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) *.
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده) * أمر بالتقوى على سبيل الموعظة والتذكير بيوم عظيم بعد ذكر دلائل الوحدانية، ويجزي من جزى بمعنى قضى ومنه قيل للمتقاضي المتجازي أي لا يقضي والد عن ولده شيئا.
وقرأ أبو السمال. وعامر بن عبد الله. وأبو السوار * (لا يجزيء) * بضم الياء وكسر الزاي مهموزا ومعناه لا يغني والد عن ولده ولا يفيده شيئا من أجزأت عنك مجزأ فلان أي أغنيت.
وقرأ عكرمة * (لا يجزى) * بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول والجملة على القراءات صفة يوما والراجع إلى الموصوف محذوف أي فيه فأما أن يحذف برمته وأما على التدريج بأن يحذف حرف الجر فيعدي الفعل إلى الضمير ثم يحذف منصوبا، وقوله تعالى: * (ولا مولود) * إما عطف على * (والد) * فهو فاعل * (يجزي) * وقوله تعالى: * (هو جاز عن والده شيئا) * في موضع الصفة له والمنفي عنه هو الجزاء في الآخرة والمثبت له الجزاء في الدنيا أو معنى هو جاز أي من شأنه الجزاء لعظيم حق الوالد أو المراد بلا يجزي لا يقبل منه ما هوجاز به، وأما مبتدأ والمسوغ للابتداء به مع أنه نكرة تقدم النفي، وذهل المهدوي عن ذلك فمنع صحة كونه مبتدأ وجملة * (هو جاز) * خبره و * (شيئا) * مفعول به أو منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف، وعلى الوجهين قيل تنازعه * (يجزي وجاز) * واختيار ما لا يفيد التأكيد في الجملة الأولى وما يفيده في الجملة الثانية لأن أكثر المسلمين وأجلتهم حين الخطاب كان آباؤهم قد ماتوا على الكفر وعلى الدين الجاهلي فلما كان غناء الكافر عن المسلم بعيدا لم يحتج نفيه إلى التأكيد، ولما كان غناء الملسم عن الكافر مما يقع في الأوهام أكد نفيه قاله الزمخشري.
وتعقبه ابن المنير بأنه يتوقف صحته على أن هذا الخطاب كان خاصا بالموجودين حينئذ والصحيح أنه عام لهم ولكل من ينطلق عليه اسم الناس، ورده في " الكشف " بأن المتقدمتين فاسدتان، أما الثانية فلما تقرر في أصول الفقه أن * (يا أيها الناس) * يتناول الموجودين، وأما لغيرهم فبالإعلام أو بطريقه والمالكية موافقة، وأما الأولى فعلى تقدير التسليم لا شك أن أجلة المؤمنين وأكابرهم إلى انقراض الدنيا هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ومعلوم أن أكثرهم قبض آباؤهم على الكفر فمن أين التوقيف اه‍.
واختار ابن المنير في وجه ذلك أن الله تعالى لما أكد الوصية بالآباء وقرن وجوب شكرهم بوجوب شكره عز وجل وأوجب على الولد أن يكفي والده ما يسوءه بحسب نهاية إمكانه قطع سبحانه ههنا وهم الوالد في أن يكون الولد في القيامة يجزيه حقه عليه ويكفيه ما يلقاه من أهوال يوم القيامة كما أوجب الله تعالى عليه في الدنيا ذلك في حقه فلما كان جزاء الولد عن الوالد مظنة الوقوع لأنه سبحانه حض عليه في الدنيا كان جديدا بتأكيد النفي لإزالة هذا الوهم ولا كذلك العكس وقريب منه ما قاله الإمام: إن الولد من شأنه أن يكون جازيا عن والده لما عليه من الحقوق والولد يجزي لما فيه من النفقة وليس ذلك بواجب عليه فلذا قال سبحانه في الوالد: * (لا يجزى) * وفي الولد * (ولا مولود هو جاز عن والده) * ألا ترى أنه يقال لمن يحيك وليست الحياكة صنعته هو يحيك ولمن يحيك وهي صنعته هو حائك، وقيل إن التأكيد في الجملة الثانية الدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزى لأنه دون الوالد في الحنو والشفقة فلما كان أولى بهذا الحكم استحق التأكيد
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»