وفي القلب منه شيء، وقد يقال: إن العرب كانوا يدخرون الأولاد لنفعهم ودفع الأذى عنهم وكفاية ما يهمهم ولعل أكثر الناس اليوم كذلك فأريد حسم توهم نفعهم ودفعهم الأذى وكفاية المهم في حق آبائهم يوم القيامة فأكدت الجملة المفيدة لنفي ذلك عنهم وعد من جملة المؤكدات التعبير بالمولود لأنه من ولد بغير واسطة بخلاف الولد فإنه عام يشمل ولد الولد فإذا أفادت الجملة أن الولد الأدنى لا يجزي عن والده علم أن من عداه من ولد الولد لا يجزى عن جده من باب أولى.
واعترض بأن هذه التفرقة بين الولد والمولود لم يثبتها أهل اللغة، ورد بأن الزمخشري. والمطرزي ذكرا ذلك وكفى بهما حجة، ثم إن في عموم الولد لولد الولد أيضا مقالا فقد ذهب جمع أنه خاص بالولد الصلبي حقيقة.
وقال صاحب المغرب يقال للصغير مولود وإن كان الكبير مولودا أيضا لقرب عهده من الولادة كما يقال لبن حليب ورطب جني للطري منهما، ووجه أمر التأكيد عليه بأنه إذا كان الصغير لا يجزي حينئذ مع عدم اشتغاله بنفسه لعدم تكليفه في الدنيا فالكبير المشغول بنفسه من باب أولى وهو كما ترى، وخصص بعضهم العموم بغير صبيان المسلمين لثبوت الأحاديث بشفاعتهم لوالديهم.
وتعقب بأن الشفاعة ليست بقضاء ولو سلم فلتوقفها على القبول يكون القضاء منه عز وجل حقيقة فتدبر.
* (إن وعد الله) * قيل بالثواب والعقاب على تغليب الوعد على الوعيد أو هو بمعناه اللغوي * (حق) * ثابت متحقق لا يخلف وعدم إخلاف الوعد بالثواب مما لا كلام فيه وأما عدم إخلاف الوعد بالعقاب ففيه كلام والحق أنه لا يخلف أيضا، وعدم تعذيب من يغفر له من العصاة المتوعدين فليس من إخلاف الوعيد في شيء لما أن الوعيد في حقهم كان معلقا بشرط لم يذكر ترهيبا وتخويفا، والجملة على هذا تعليل لنفي الجزاء، وقيل: المراد إن وعد الله بذلك اليوم حق، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه لما قيل: يا أيها الناس اتقوا يوما الخ سأل سائل أن يكون ذلك اليوم؟ فقيل: إن وعد الله حق أي نعم يكون لا محالة لمكان الوعد به فهو جواب على أبلغ وجه، وإليه يشير كلام الإمام * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * بأن تلهيكم بلذاتها عن الطاعات * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * أي الشيطان كما روى عن ابن عباس. وعكرمة. وقتادة. ومجاهد. والضحاك بأن يحملكم على المعاصي بتزيينها لكم ويرجيكم التوبة والمغفرة منه تعالى أو يذكر لكم أنها لا تضر من سبق في علم الله تعالى موته على الايمان وأن تركها لا ينفع من سبق في العلم موته على الكفر، وعن أبي عبيدة كل شيء غرك حتى تعصى الله تعالى وتترك ما أمرك سبحانه به فهو غرور شيطانا أو غيره، وإلى ذلك ذهب الراغب قال: الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجهاه وشهوة وشيطان.
وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل: الدنيا تغر وتضر وتمر، وأصل الغرور من غر فلانا إذا أصاب غرته أي غفلته ونال منه ما يريد والمراد به الخداع، والظاهر أن * (بالله) * صلة * (يغرنكم) * أي لا يخدعنك بذكر شيء من شؤنه تعالى يجسركم على معاصيه سبحانه.
وجوز أن يكون قسما وفيه بعد، وقرأ ابن أبي إسحاق. وابن أبي عبلة. ويعقوب * (تغرنكم) * بالنون الخفيفة.