تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٩٤
عن الآيات الهادية إلى الحق المبين.
* (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) * * (ولقد وصلنا لهم القول) * الضمير لأهل مكة، وأصل التوصيل ضم قطع الحبل بعضها ببعض قال الشاعر: فقل لبني مروان ما نال ذمتي * بحبل ضعيف لا يزال يوصل والمعنى ولقد أنزلنا القرآن عليهم متواصلا بعضه أثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة أو متتابعا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ومواعظ ونصائح، وقيل: جعلناه أوصالا أي أنواعا مختلفة وعدا ووعيدا الخ، وقيل: المعنى وصلنا لهم خبر الآخرة بخبر الدنيا حتى كأنهم عاينوا الآخرة وعن الأخفش أتممنا لهم القول، وقرأ الحسن * (وصلنا) * بتخفيف الصاد والتضعيف في قراءة الجمهور للتكثير ومن هنا قال الراغب في تفسير ما في الآية عليها أي أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض * (لعلهم يتذكرون) * فيؤمنون بما فيه.
* (الذين ءاتين‍اهم الكت‍ابمن قبله هم به يؤمنون) * * (الذين ءاتينهم الكت‍ابمن قبله) * قبل القرآن على أن الضمير للقول مرادا به القرآن أو للقرآن المفهوم منه وأيا ما كان فالمراد من قبل إيتائه * (هم) * لا هؤلاء الذين ذكرت أحوالهم * (به) * أي بالقرآن * (يؤمنون) * وقيل: الضميران للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بالموصول على ما روي عن ابن عباس مؤمنو أهل الكتاب مطلقا، وقيل: هم أبو رفاعة في عشرة من اليهود، آمنوا فأوذوا، وأخرج ابن مردويه بسند جيد وجماعة عن رغاعة القرظي ما يؤيده وقيل: أربعون من أهل الإنجيل كانوا مؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه اثنان وثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وثمانية قدموا من الشام بحيرا وأبرهة وأشرف وعامروا يمن وادريس ونافع وتميم، وقيل: ابن سلام. وتميم الداري. والجارود العبدي. وسلمان الفارسي. ونسب إلى قتادة واستظهر أبو حيان الإطلاق وأن ما ذكر من باب التمثيل لمن آمن من أهل الكتاب.
* (وإذا يتلى عليهم قالوا ءامنا به إنه الحق من ربنآ إنا كنا من قبله مسلمين) * * (وإذا يتلى) * أي القرآن * (عليهم قالوآ ءامنا به) * أي بأنه كلام الله تعالى: * (إنه الحق من ربنآ) * أي الحق الذي كنا نعرف حقيته، وهو استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به، وجوز أن تكون الجملة مفسرة لما قبلها وقوله تعالى: * (إنا كنا من قبله) * أي من قبل نزوله * (مسلمين) * بيان لكون إيمانهم به أمرا متقادم العهد لما شاهدوا ذكره في الكتب المتقدمة وأنهم على دين الإسلام قبل نزول القرآن ويكفي في كونهم على دين الإسلام قبل نزوله إيمانهم به إجمالا. وفي الكشاف والبحر أن الإسلام صفة كل موحد مصدق بالوحي والظاهر عليه أن الإسلام ليس من خصوصيات هذه الأمة من بين الأمم. وذهب السيوطي عليه الرحمة إلى كونه من الخصوصيات وألف في ذلك كراسة وقال في ذيلها: لما فرغت من تأليف هذه الكراسة واضطجعت على الفراش للنوم ورد على قوله تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) * (القصص: 52) الآية فكأنما ألقى على جبل لما أن ظاهرها الدلالة للقول بعدم الخصوصية وقد أفكرت فيها ساعة ولم يتجه له فيها شيء فلجأت إلى الله تعالى ورجوت أن يفتح بالجواب عنها فلما استيقظت وقت السحر إذا بالجواب قد فتح فظهر عنها ثلاثة أجوبة: الأول أن مسلمين اسم فاعل مراد به الاستقبال كما هو حقيقة فيه دون الحال والماضي والتمسك بالحقيقة هو الأصل وتقدير الآية إنا كنا من قبل مجيئه عازيمن على الإسلام به إذا جاء لما كنا نجده في كتبنا من بعثه ووصفه ويرشح هذا أن السياق يرشد إلى أن قصدهم الأخبار بحقية القرآن وأنهم كانوا على قصد الإسلام به إذا جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وليس
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»