تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٩٨
وقرأ نافع وجماعة عن يعقوب. وأبو حاتم عن عاصم * (تجبى) * بتاء التأنيث، وقرىء * (تجنى) * بالنون من الجنى وهو قطع الثمرة وتعديته بإلى كقولك يجنى إلى فيه ويجنى إلى الخافة وقرأ أبان بن تغلب عن عاصم * (ثمرات) * بضم الثاء والميم، وقرأ بعضهم * (ثمرات) * بفتح الثاء وإسكان الميم، ثم إنه تعالى بعد أن رد عليهم خوفهم من الناس بين أنهم أحقاء بالخوف من بأس الله تعالى بقوله:
* (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مس‍اكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) * * (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) * أي وكثيرا من أهل قرية كانت حالهم كحال هؤلاء في الأمن وخفض العيش والدعة حتى بطروا واعتروا ولم يقوموا بحق النعمة فدمرنا عليهم وخربنا ديارهم * (فتلك مس‍اكنهم) * التي تمرون عليها في أسفاركم كحجر ثمود خاوية بما ظلموا حال كونها.
* (لم تسكن من بعدهم) * من بعد تدميرهم * (إلا قليلا) * أي إلا زمانا قليلا إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أو إلا سكنا قليلا وقلته باعتبار قلة الساكنين فكأنه قيل: لم يسكنها من بعدهم إلا قليل من الناس.
وجوز أن يكون الاستثناء من المساكن أي إلا قليلا منها سكن وفيه بعد، * (وكنا نحن الوارثين) * منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر ذات أيديهم، وفي " الكشاف " أي تركناها على حال لا يسكنها أحد أو خربناها وسويناها بالأرض وهو مشير إلى أن الوراثة إما مجرد انتقالها من أصحابها وإما إلحاقها بما خلقه الله تعالى في البدء فكأنه رجع إلى أصله ودخل في عداد خالص ملك الله تعالى على ما كان أولا وهذا معنى الإرث، وانتصاب معيشتها على التمييز على مذهب الكوفيين، أو مشبه بالمفعول به على مذهب بعضهم، أو مفعول به على تضمين بطرت معنى فعل متعد أي كفرت معيشتها ولم ترع حقها على مذهب أكثر البصريين أو على إسقاط * (في) * أي في معيشتها على مذهب الأخفش، أو على الظرف نحو جئت خفوق النجم على قول الزجاج.
* (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فىأمها رسولا يتلو عليهم ءاي‍اتنا وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظ‍المون) * * (وما كان ربك مهلك القرى) * بيان للعناية الربانية إثر بيان إهلاك القرى المذكورة أي وما صح وما استقام أو ما كان في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يهلك القرى قبل الإنذار بل كانت سنته عز وجل أن لا يهلكها * (حتى يبعث في أمها) * أي في أصلها وكبيرتها التي ترجع تلك القرى إليها * (رسولا يتلو عليهم ءاي‍اتنا) * الناطقة بالحق ويدعهم إليه بالترغيب والترهيب، وإنما لم يهلكهم سبحانه حتى يبعث إليهم رسولا لإلزام الحجة وقطع المعذرة بأن يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك، وإنما كان البعث في أم القرى لأن في أهل البلدة الكبيرة وكرسي المملكة ومحل الأحكام فطنة وكيسا فهم أقبل للدعوة وأشرف.
وأخرج عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عن قتادة أن أم القرى مكة والرسول محمد صلى الله عليه وسلم فالمراد بالقرى القرى التي كانت في عصره عليه الصلاة والسلام والأولى أولى، والالتفات إلى نون العظمة في آياتنا لتربية المهابة وإدخال الروعة وقرىء * (في إمها) * بكسر الهمزة اتباعا للميم * (وما كنا مهلكي القرى) * عطف على * (ما كان ربك مهلك القرى) * (القصص: 59) * (إلا وأهلها ظ‍المون) * استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد ما بعثنا في أمها رسولا يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إليه في حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا فالبعث غاية لعدم صحة الإهلاك بموجب السنة الإلهية لا لعدم وقوعه حتى يلزم تحقق الإهلاك عقيب البعث.
* (ومآ أوتيتم من شىء فمت‍اع الحيواة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) * * (وما أوتيتم من شيء) * أي أي شيء أصبتموه من
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»