تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٩٩
أمور الدنيا وأسبابها * (فمت‍اع الحيواة الدنيا وزينتها) * فهو شيء شأنه أن يتمتع به ويتزين به أياما قلائل ويشعر بالقلة لفظ المتاع وكذا ذكر * (أبقى) * في المقابل وفي لفظ الدنيا إشارة إلى القلة والخسة * (وما عند الله) * في الجنة وهو الثواب * (خير) * في نفسه من ذلك لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة * (وأبقى) * لأنه أبدى وأين المتناهي من غير المتناهي * (أفلا تعقلون) * أي ألا تتفكرون فلا تفعلون هذا الأمر الواضح فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وتخافون على ذهاب ما أصبتموه من متاع الحياة الدنيا وتمتنعون عن اتباع الهدى المفضي إلى ما عند الله تعالى لذلك فكأن هذا رد عليهم في منع خوف التخطف إياهم من اتباعه صلى الله عليه وسلم على تقدير تحقق وقوع ما يخافونه. وقرأ أبو عمرو يعقلون بياء الغيبة على الالتفات وهو أبلغ في الموعظة لإشعاره بأنهم لعدم عقلهم لا يصلحون للخطاب، فالالتفات هنا لعدم الالتفات زجرا لهم وقرىء * (فمتاعا الحياة الدنيا) * أي فتتمتعون به في الحياة الدنيا فنصب متاعا على المصدرية والحياة على الظرفية.
* (أفمن وعدن‍اه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه مت‍اع الحيواة الدنيا ثم هو يوم القي‍امة من المحضرين) * * (أفمن وعدناه وعدا حسنا) * أي وعدا بالجنة وما فيها من النعيم الصرف الدائم فإن حسن الوعد بحسن الموعود * (فهو لاقيه) * أي مدركا لا محالة لاستحالة الخلف في وعده تعالى ولذلك جىء بالجملة الاسمية المفيدة لتحققه البتة وعطفت بالفاء المنبئة عن السببية * (كمن متعناه متاع الحياوة الدنيا) * الذي هو مشوب بالآلام منغص بالأكدار مستتبع بالتحسر على الانقطاع، ومعنى الفاء الأولى ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله تعالى أي أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين الفريقين وقوله تعالى: * (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) * عطف على متعناه داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه مقوله كأنه قيل كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم نحضره أو أحضرناه يوم القيامة للنار أو العذاب وغلب لفظ المحضر في المحضر لذلك والعدول إلى الجملة الاسمية قيل للدلالة على التحقق حتما ولا يضر كون خبرها ظرفا مع العدول وحصول الدلالة على التحقق لو قيل أحضرناه لا ينافي ذلك، وقد يقال: إن فيما ذكر في " النظم الجليل " شيء آخر غير الدلالة على التحقيق ليس في قولك ثم أحضرناه يوم القيامة كالدلالة على التقوى أو الحصر والدلالة على التهويل والإيقاع في حيرة، ولمجموع ذلك جىء بالجملة الاسمية، ويوم متعلق بالمحضرين المذكور، وقدم عليه للفاصلة أو هو متعلق بمحذوف وقد مر الكلام في مثل ذلك، وثم للتراخي في الرتبة دون الزمان وإن صح وكان فيه إبقاء اللفظ على حقيقته لأنه أنسب بالسياق وهو أبلغ وأكثر إفادة وأرباب البلاغة يعدلون إلى المجاز ما أمكن لتضمنه لطائف النكات.
وقرأ طلحة * (أمن وعدناه) * بغير فاء، وقرأ قالون. والكسائي * (ثم هو) * بسكون الهاء كما قيل: عضد وعضد تشبيها للمنفصل وهو الميم الأخير من ثم بالمتصل، والآية نزلت على ما أخرج ابن جرير عن مجاهد في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل. وأخرج من وجه آخر عنه أنها نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل: نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وأبي جهل ونسب إلى محمد بن كعب. والسدي، وقيل: في عمار رضي الله تعالى عنه. والوليد بن المغيرة،
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»