تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٠٥
الكاملة وعدم كون فاعله محجورا عليه أصلا وأنى لهم ذلك فليس لهم إلا اتباع اصطفاء الله تعالى وهو جل وعلا لم يصطف شركاءهم الذين اصطفوهم للعبادة والشفاعة على الوجه الذي اصطفوهم عليه فما هم إلا جهال ضلال صدوا عما يلزمهم وتصدوا لما ليس لهم بحال من الأحوال، وإن شئت فنزل الفعل منزلة اللازم وقل المعنى وربك لا غيره يخلق ما يشاء خلقه وهو سبحانه لا غيره يفعل الاختيار والاصطفاء فيصطفي بعض مخلوقاته لكذا وبعضا آخر لكذا ويميز بعضا منها على بعض ويجعله مقدما عنده تعالى عليه فإنه سبحانه قادر حكيم لا يسأل عما يفعل وهو جل وعلا أعظم من أن يعترض عليه وأجل، ويدخل في الغير المنفي عنه ذلك المشركون فليس لهم أن يفعلوا ذلك فيصطفوا بعض مخلوقاته للشفاعة ويختاروهم للعبادة ويجعلوهم شركاء له عز وجل ويدخل في الاختيار المنفي عنهم ما تضمنه قولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن فيه انتقاء غيره صلى الله عليه وسلم من الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي وتمييزه بأهلية تنزيل القرآن عليه فإن صح ما قيل: في سبب نزول هذه الآية من أنه القول المذكور كان فيها رد ذلك عليهم أيضا إلا أنها لتضمنها تجهيلهم باختيارهم الشركاء واصطفائهم إياهم آلهة وشفعاء كتضمنها الرد المذكور جىء بها هنا متعلقة بذكر الشركاء وتقريع المشركين على شركهم، وربما يقال: إنها لما تضمنت تجهيلهم فيما له نوع تعلق به تعالى كاتخاذ الشركاء له سبحانه وفيما له نوع تعلق بخاتم رسله عليه الصلاة والسلام كتمييزهم غيره عليه الصلاة والسلام بأهلية الإرسال إليه وتنزيل القرآن عليه جىء بها بعد ذكر سؤال المشركين عن إشراكهم وسؤالهم عن جوابهم للمرسلين الناهين لهم عنه الذين عين أعيانهم وقلب صدر ديوانهم رسوله الخاتم لهم صلى الله عليه وسلم فلها تعلق بكلا الأمرين إلا أن تعلقها بالأمر الأول أظهر وأتم وخاتمتها تقتضيه على أكمل وجه وأحكم. وربما يقال أيضا: إن لها تعلقا بجميع ما قبلها، أما تعلقها بالأمرين المذكورين فكما سمعت، وأما تعلقها بذكر حال التائب فمن حيث أن انتظامه في سلك المفلحين يستدعي اختيار الله تعالى إياه واصطفاءه له وتمييزه على من عداه، ولذا جىء بها بعد الأمور الثلاثة وذكر انحصار الخلق فيه تعالى وتقديمه على انحصار الاختيار والاصطفاء مع أن مبنى التجهيل والرد إنما هو الثاني للإشارة إلى أن انحصار الاختيار من توابع انحصار الخلق، وفي ذكره تعالى بعنوان الربوبية إشارة إلى أن خلقه عز وجل ما شاء على وفق المصلحة والحكمة وإضافة الرب إليه صلى الله عليه وسلم لتشريفه عليه الصلاة والسلام وهي في غاية الحسن إن صح ما تقدم عن الوليد سببا للنزول، ويخطر في الباب احتمالات أخر في الآية فتأمل فإني لا أقول ما أبديته هو المختار كيف وربك جل شأنه يخلق ما يشاء ويختار * (سبح‍ان الله) * أي تنزه تعالى بذاته تنزها خاصا به من أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره عز شأنه * (وتع‍الى عما يشركون) * أي عن إشراكهم على أن ما مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة بتقدير مضاف أي عن مشاركة ما يشركونه به كذا قيل، وجعل بعضهم * (سبحان الله) * تعجيبا من إشراكهم من يضرهم بمن يريد لهم كل خير تبارك وتعالى وهو على احتمال كون * (ما) * فيما تقدم موصولة مفعول يختار، والمعنى ويختار ما كان لهم فيه الخير والصلاح، ويجوز أن يكون تعجيبا أيضا من اختيارهم شركاءهم الذين أعدوهم للشفاعة وإقدامهم على ما لم يكن لهم وذلك بناء على ما ظهر لنا وظاهر كلام كثير أن الآية ليست من باب الإعمال، وجوز أن تكون منه بأن يكون كل من سبحان وتعالى طالبا عما يشركون والأفيد على ما قيل أن لا تكون منه.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»