قال: فإن كما محمد صلى الله عليه وسلم أكرم عليك مني فهل أمة محمد أكرم من بني إسرائيل؟ فلقت البحر لهم وأنجيتهم من فرعون وعمله وأطعمتهم المن والسلوى. قال: نعم. أمة ممد عليه الصلاة والسلام أكرم على من بنى إسرائيل. قال: إلهي أرنيهم. قال: إنك لن تراهم وإن شئت أسمعتك صوتهم قال: نعم إلهي. فنادى ربنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أجييوا ربكم. قال: فأجابوا وعم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبيك أنت ربنا حقا ونحن عبيدك حقا. قال: صدقتم أنا ربكم حقا وأنتم عبيدي حقا قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة " قال ابن عباس فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أراد أن يمن عليه بما أعطاه وبما أعطى أمته فقال يا محمد: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا، واستشكل ذلك بأنه معنى لا يناسب المقام ولا تكاد ترتبط الآيات عليه، ولا بد لصحة هذه الأخبار من دليل، وتصحيح الحاكم لا يخفى حاله.
وقال بعض: يمكن أن يقال على تقدير صحة الأخبار إن المراد وما كنت حاضرا مع موسى عليه السلام بجانب الطور لتقف على أحواله فتخبر بها الناس ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بذلك وبغيره رحمة منا لك وللناس، والتقويت بنداء أمته ليس لكون المخبر به ما كان من ذلك بل لإدخال المسرة عليه عليه الصلاة والسلام فيما يعود إليه وإلى أمته وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم مما يكون من أمة الدعوة من الكفر به عليه الصلاة والسلام والآباء عن شريعته وتلويح ما إلى مضمون * (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) * (الأنعام: 89) وحينئذ ترتبط الآيات بعضها ببعض ارتباطا ظاهرا فتأمل.
* (ولولاأن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولاأرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك ونكون من المؤمنين) * * (ولولا أن تصيبهم مصيبة) * أي عقوبة وهي على ما نقل عن أبي مسلم عذاب الدنيا والآخرة، وقيل: عذاب الاستئصال * (بما قدمت أيديهم) * أي بما اقترفوا من الكفر والمعاصي ويعبر عن كل الأعمال وإن لم تصدر عن الأيدي باجتراح الأيدي وتقديم الأيدي لما أن أكثر الأعمال تزاول بها * (فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) * أي هلا أرسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات * (فنتبع ءاياتك) * الظاهرة على يده * (ونكون من المؤمنين) * بما جاء به، ولولا الثانية تحضيضية كما أشرنا إليه، وقوله تعالى: * (فنتبع) * جوابها ولكون التحضيض طلبا كالأمر أجيبت على نحو ما يجاب، وأما الأولى فامتناعية وجوابها محذوف ثقة بدلالة الحال عليه، والتقدير لما أرسلناك، والفاء في * (فيقولوا) * عاطفة ليقول على تصيبهم، والمقصود بالسببية لانتفاء الجواب والركن الأصيل فيها قولهم ذلك إذا أصابتهم مصيبة، المعنى لولا قولهم إذا عوقبوا بما اقترفوا هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبعه ونكون من المؤمنين لما أرسلناك إليهم، وحاصله سببية القول المذكور لارساله صلى الله عليه وسلم إليهم قطعا لمعاذيرهم بالكلية ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت كأنها سبب الإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها لولا وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ونكتة إيثار هذا الأسلوب وعدم جعل العقوبة قيدا مجردا أنهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم، وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفى كقوله تعالى: