تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٩٥
قصدهم الثناء على أنفسهم في حد ذاتهم بأنهم كانوا بصفة الإسلام أو لا لنبو المقام عنه كما لا يخفى، الثاني أن يقدر في الآية إنا كنا من قبله مسلمين به فوصف الإسلام سببه القرآن لا التوراة والإنجيل ويرشح ذلك ذكر الصلة فيما قبل حيث قال سبحانه: * (هم به يؤمنون) * فإنه يدل على أن الصلة مرادة هنا أيضا إلا أنها حذفت كراهة التكرار. الثالث أن هذا الوصف منهم بناء على ما هو مذهب الأشعري من أن من كتب الله تعالى أن يموت مؤمنا فهو يسمى عنده تعالى مؤمنا ولو كان في حال الكفر وإنما لم نطلق نحن هذا الوصف عليه لعدم علمنا بما عنده تعالى، فهؤلاء لما ختم الله تعالى لهم بالدخول في الإسلام أخبروا عن أنفسهم أنهم كانوا متصفين به قبل لأن العبرة في هذا الوصف بالخاتمة ووصفهم بذلك أولى من وصف الكافر الذي يعلم الله تعالى أنه يموت على الإسلام به لأنهم كانوا على دين حق وهذا معنى دقيق استفدناه في هذه الآية من قواعد علم الكلام انتهى.
ولا يخفى ضعف هذا الجواب وكذا الجواب الأول وأما الجواب الثاني فهو بمعنى ما ذكرناه في الآية وقد ذكره البيضاوي وغيره وجوز أن يراد بالإسلام الإنقياد أي إنا كنا من قبل نزوله منقادين لأحكام الله تعالى الناطق بها كتابه المنزل إلينا ومنها وجوب الإيمان به فنحن مؤمنون به قبل نزوله.
* (أول‍ائك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقن‍اهم ينفقون) * * (أولئ‍اك) * الموصوفون بما ذكر من النعوت * (يؤتون أجرهم مرتين) * مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن * (بما صبروا) * أي بصبرهم وثباتهم على الإيمانين أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على أذى من هاجرهم وعاداهم من أهل دينهم ومن المشركين * (ويدرءون) * أي يدفعون) * بالحسنة) * أي بالطاعة * (السيئة) * أي المعصية فإن الحسنة تمحو السيئة قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أتبع السيئة الحسنة تمحها، وقيل: أي يدفعون بالحلم الأذى وقال ابن جبير: بالمعروف المنكر وقال ابن زيد: بالخير الشر وقال ابن سلام: بالعلم اجلهل وبالكظم الغيظ وقال ابن مسعود: بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك * (ومما رزقن‍اهم ينفقون) * أي في سبيل الخير كما يقتضيه مقام المدح.
* (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنآ أعم‍النا ولكم أعم‍الكم سل‍ام عليكم لا نبتغى الج‍اهلين) * * (وإذا سمعوا آللغو) * سقط القول وقال مجاهد: الأذى والسب وقال الضحاك: الشرك وقال ابن زيد: ما غيرته اليهود من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم * ( أعرضوا عنه) * أي عن اللغو تكرما كقوله تعالى: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * * (وقالوا) * لهم أي للاغين المفهوم من ذكر اللغو * (لنا أعم‍النا ولكم أعم‍الكم) * متاركة لهم كقوله تعالى: * (لكم دينكم ولي دين) * (الكافرون: 6) * (سل‍ام عليكم) * قالوه توديعا لهم لا تحية أو هو للمتاركة أيضا كما في قوله تعالى: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (الفرقان: 63) وأيا ما كان فلا دليل في الآية على جواز ابتداء الكافر بالسلام كما زعم الجصاص إذ ليس الغرض من ذلك إلا المتاركة أو التوديع. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكفار " لا تبدءوهم بالسلام وإذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ". نعم روي عن ابن عباس جواز أن يقال للكافر ابتداء السلام عليك على معنى الله تعالى عليك فيكون دعاء عليه وهو ضعيف، وقوله تعالى: * (لا نبتغي الج‍اهلين) * بيان للداعي للمتاركة والتوديع أي لا تطلب صحبة الجاهلين ولا نريد مخالطتهم.
* (إنك لا تهدى من أحببت ول‍اكن الله يهدى من يشآء وهو أعلم بالمهتدين) * * (إنك لا تهدي) * هداية موصلة إلى
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»