تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٨٥
صلى الله عليه وسلم ويزيد علما بصحة ما جاء به. ومما يدل على حل الرجوع إليها في الجملة قوله تعالى: * (قل فأتوا بالتوراة فأتلوها إن كنتم صادقين) * وقد كان المؤمنون من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام. وكعب الأحبار ينقلون منها ما ينقلون من الأخبار ولم ينكر ذلك ولا سماعه أحد من أساطيت الإسلام ولا فرق بين سماع ما ينقلونه منهم وبين قراءته فيها وأخذ منها وقد رجع إليها غير واحد من العلماء في إلزام اليهود والاحتجاج عليهم ببعض عباراتها في إثبات حقيقة بعثته صلى الله عليه وسلم، والذي أميل إليه كون المراد بالناس بني إسرائيل فإنه الذي يقتضيه المقام.
وأما مطالعة التوراة فالبحث فيها طويل، وفي تحفة المحتاج للمولى العلامة ابن حجر عليه الرحمن يحرم على غير عالم متبحر مطالعة نحو توراة علم تبدلها أوشك فيه وهو أقرب إلى التحقيق ومن سبر التوراة التي بأيدي اليهود اليوم رأى أكثرها مبدلا لا توافق بينه وبين ما في القرآن العظيم أصلا وهو المعول عليه * (وهدى) * أي إلى الشرائع التي هي الطرق الموصلة إلى الله عز وجل * (ورحمة) * حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى: بمقتضى وعده سبحانه فعموم رحمته بهذا المعنى لا ينافي أن من الناس من هو كافر بها وهو غير مرحوم، وانتصاب المتعاطفات على الحالية من الكتاب على أنه نفس البصائر والهدى والرحمة أو على حذف المضاف أي ذا بصائر الخ، وجوز أبو البقاء انتصابها على العلة أي آتيناه الكتاب لبصائر وهدى ورحمة * (لعلهم يتذكرون) * أي كي يتذكروا بناء على أنل لعل للتعليل؛ فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال لعل في القرآن بمعنى كي غير آية في (الشعراء: 129) * (لعلكم تخلدون) * وحكى الواقدي عن البغوي أنه قال جميع ما في القرآن من لعل للتعليل إلا * (لعلكم تخلدون) * فإنها فيه للتشبيه، والمشهور أنها للترجي. ولما كان محالا عليه عز وجل جعل بعضهم الكلام من باب التمثيل والمراد آتيناه ذلك ليكونوا على حالة قابلة للتذكر كحال من يرجى منه الخير، وبعض آخر صرف الترجي إلى المخاطبين فهو منهم لا منه تعالى، وجعل الزمخشري في ذلك استعارة تبعية حيث شبه الإرادة بالترجي لكون كل منهما طلب الوقوع، ورد بأن فيه لزوم تخلف مراد الله تعالى عن إرادته لعدم تذكر الكل إلا أن يكون من قبيل إسناد ما للبعض إلى الكل، وأنت تعلم أن ازرادة عند المعتزلة قسمان: تفويضية، وهي قد يتخلف المراد عنها، وقسرية وهي لا يتخلف المراد عنها أصلا، فمتى أريد القسم الأول منها هنا زال الإشكال إلا أن التقسيم المذكور خلاف المذهب الحق.
* (وما كنت بجانب الغربى إذ قضينآ إلى موسى الامر وما كنت من الش‍اهدين) * * (وما كنت بجانب الغربي) * شروع في بيان أن إنزال القرآن الكريم أيضا واقع زمان مساس الحاجة إليه واقتضاء الحكمة له البتة متضمنا تحقيق كونه وحيا صادقا من عند الله تعالى ببيان أن الوقوف على ما فصل من الأحوال لا يتسنى إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها وحيث انتفى كلاهما تبين أنه بوحي من علام الغيوب لا محالة كذا قيل: ولا يخفى أن تعين كوه بوحي لا يتم إلا بنفي كونه بالاستفاضة وكونه بالتعلم من بعض أهل الكتاب المعاصرين له صلى الله عليه وسلم كما قال المشركون: * (إنما يعلمه بشر) * (النحل: 103) ولعله إنما لم يتعرض لنفي ذلك وتعرض لنفي ما هوأظهر انتفاء منه للإشارة إلى ظهور انتفاء ذلك والمبالغة في دعوى ذلك حيث آذن بأن المحتاج إلى الإخبار بانتفائه ذانك الأمران دونه على أنه عز وجل قد نفى في
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»