تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٨٨
الأكثرين في أغلب هذه المدة على حقيقته قيل: ذلك، وقيل: إن ذلك لما صرحوا به من أن حكم بعثة إسمعيل عليه السلام قد انقطع بموته وأنه لم يرسل إليهم بعده نبي سوى النبي صلى الله عليه وسلم قال العلامة ابن حجر في المنح المكية: من المقرر أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسمعيل عليه الصلاة والسلام وأن إسمعيل انتهت رسالته بموته وادعى قبيل هذا الاتفاق على أن إبراهيم عليه السلام ومن بعده أي سوى إسمعيل عليه السلام لم يرسلوا للعرب ورسالة إسمعيل إليهم انتهت بموته اه‍، فكأنه لقلة لبث إسمعيل عليه السلام فيهم وانقطاع حكم رسالته بعد وفاته فيما بينهم وبقائهم الأمد الطويل بغير رسول مبعوث فيهم نفي إتيان النذير إياهم من قبله صلى الله عليه وسلم.
وذكر العلامة ابن حجر في المنح أيضا ما يفيد أن كل رسول ممن عدا نبينا صلى الله عليه وسلم تنقطع رسالته بموته وليس ذلك خاصا بإسمعيل عليه السلام، ويفهم من كلام العز بن عبد السلام في أماليه أن هذا الانقطاع ليس على إطلاقه فقد قال: * (فائدة) * كل نبي إنما أرسل إلى قومه إلا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون ما عدا قوم كل نبي من أهل الفترة الأذرية النبي السابق عليه فإنهم مخاطبون ببعثة السابق إلا أن تدرس شريعة السابق فيصير الكل من أهل الفترة اه‍.
وهو وكذا ما نقلناه عن العلامة ابن حجر عندي الآن على إعراف الرد والقبول، ولعل الله تعالى يشرح صدري بعد لتحقيق الحق في ذلك، وقيل: إن موسى. وعيسى عليهما السلام كما أرسلا لبني‍ إسرايل أرسلا للعرب فالمراد بنفي هذا الإتيان الفترة التي بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام، وزمنها على ما روى البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه ستمائة سنة وفي كثير من الكتب أنه خمسمائة وخمسون سنة، ونفي إتيان نبي بين زماني إتيان نبينا وإتيان عيسى عليهما الصلاة والسلام هو ما صححه جمع من العلماء لحديث لا نبي بيني وبين عيسى وقال بعضهم: إن بينهما أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان، وقيل: غير ذلك، واختار البعض أن المراد بهؤلاء القوم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره عليه الصلاة والسلام إياهم دون أسلافهم الماضين ولعله الأظهر، وعدم إتيان نذير إياهم من قبله صلى الله عليه وسلم على القول بانتهاء حكم رسالة الرسول سوى نبينا عليه الصلاة والسلام بموته ظاهر، وأما إذا قيل: بعدم انتهائه بذلك وبقائه حكما لرسالة الرسول يجب على من علمه من ذراري المرسل إليهم الأخذ به من حيث إنه حكم من أحكام ذلك الرسول إلى أن يأتي رسول آخر فيؤخذ به من حيث إنه حكم من أحكام أو على الوجه الذي يأمر به فيه من النسبة إليه أو من نسبته إلى من قبله أو يترك إن جاء الثاني ناسخا له فالمراد بعدم إتيان النذير إياهم عدم وصول ما أتى به على الحقيقة إليهم ولا يمكن أن يراد بهؤلاء القوم العرب مطلقا ويقال: بأنهم لم يرسل إليهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصلا لظهور بطلانه ومنافاته لقوله تعالى: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * (فاطر: 24) والعرب أعظم أمة وكذا لقوله تعالى: * (لتندر قوما ما أنذر آباؤهم) * (يس: 6) بناء على أن - ما - فيه ليست نافية وهو على القول بأن ما فيه نافية مؤول بحمل الآباء على الآباء الأقربين، ولا يكاد يجوز في ما ههنا ما جاز فيها من الاحتمال في آية يس بل المتعين فيها النفي ليس غير، وتكلف غيره مما لا ينبغي في كتاب الله تعالى؛ والنذير بمعنى المنذر، واحتمال كوه مصدرا بمعنى الإنذار مما لا ينبغي أن يلتفت إليه وتغيير الترتيب الوقوعي بين قضاء الأمر بمعنى أحكام أمر نبوة موسى عليه السلام بالوحي وإيتاء التوراة وثوائه عليه السلام في أهل مدين المشار إليه بقوله تعالى: * (وما كنت ثاويا في أهل مدين) * (القصص: 45) والنداء
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»