تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٧٩
التمويه أي هو سحر مموه لا حقيقة له كسائر أنواع السحر. وعليه تكون الصفة مؤكدة والافتراء ليس على حقيقته كما في الوجه الأول. والحق أن من أنواع السحر ماله حقيقة فتكون الصفة مخصصة أيضا * (وما سمعنا بهذا) * أي نوع السحر أو ما صدر من موسى عليه السلام على أن الكلام على تقدير مضاف أي بمثل هذا أو الإشارة إلى ادعاء النبوة ونفيهم السماع بذلك تعمد للكذب فقد جاءهم يوسف عليه السلام من قبل بالبينات وما بالعهد من قدم. ويحتمل أنهم أرادوا نفي سماع ادعاء النبوة على وجه الصدق عندهم وكانوا ينكرون أصل النبوات ولا يقولون بصحة شيء منها كالبراهمة وككثير من الإفرنج ومن لحس من فضلاتهم اليوم. والباء كما في " مجمع البيان " إما على أصلها أو زائدة أي ما سمعنا هذا * (في ءابآئنا الأولين) * أي واقعا في أيامهم، فالجار والمجرور في موضع الحال من هذا بتقدير مضاف والعامل فيه سمعنا.
وجوز أن يكون بهذا على تقدير بوقوع هذا، ويكون الجار متعلقا بذلك المقدر، وأشاروا بوصف آبائهم بالأولين إلى انتفاء ذلك منذ زمان طويل.
* (وقال موسى ربىأعلم بمن جآء بالهدى من عنده ومن تكون له ع‍اقبة الدار إنه لا يفلح الظ‍المون) * * (وقال موساى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) * يريد عليه السلام بالموصول نفسه، وقرأ ابن كثير * (قال) * بغيروا ولأنه جواب لقولهم: إنه سحر والجواب لا يعطف بواو ولا غيرها، ووجه العطف في قراءة باقي السبعة أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر المحكي له بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد * (ومن تكون له عاقبة الدار) * أي العاقبة المحمودة في الدار وهي الدنيا، وعاقبتها أن يختم للإنسان بها بما يفضي به إلى الجنة بفضل الله تعالى وكرمه؛ ووجه إرادة العاقبة المحمودة من مطلق العاقبة إنها هي التي دعا الله تعالى إليها عباده، وركب فيهم عقولا ترشدهم إليها ومكنهم منها وأزاح عللهم ووفر دواعيهم وحضهم عليها فكأنها لذلك هي المرادة من جميع العباد والغرض من خلقهم، وهذا ما اختاره ابن المنير موافقا لما عليه الجماعة، وحكي أن بعضهم قال له: ما يمنعك أن تقول فهم عاقبة الخير من إضافة العاقبة إلى ذويها باللام كما في هذه الآية، وقوله تعالى: * (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) * (الرعد: 42)، وقوله سبحانه: * (والعاقبة للمتقين) * (هود: 49) إذ عاقبة الخير هي التي تكون لهم، وأما عاقبة السوء فعليهم لا لهم فقال له: لقد كان لي في ذلك مقال لولا وروده مثل أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار، ولم يقل وعليهم فاستعمال اللام مكان على دليل على إلغاء الاستدلال باللام على إرادة عاقبة الخير، وقد يقال: إن اللام ظاهرة في النفع ويكفي ذلك في انفهام كون المرادب العاقبة عاقبة الخير، ويلتزم في نحو الآية التي أوردها ابن المنير كونها من باب التهكم، وهذا نظير ما قالوا: إن البشارة في الخير، وبشرهم بعذاب أليم من باب التهكم.
وقال الطيبي انتصارا للبعض أيضا: قلت: الآية غير مانعة عن ذلك فإن قرينة اللعنة والسوء مانعة عن إرادة الخير وإنما أتى بلهم ليؤذن بأنهما حقان ثابتان لهم لازمان إياهم، ويعضده التقديم المفيد للاختصاص فتدبر وقرأ حمزة، والكسائي. * (يكون) * بالياء التحتية، لأن المرفوع مجازي التأنيث ومفصول عن رافعه.
* (إنه لا يفلح الظ‍المون) * أي لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور، وحاصل كلام موسى عليه السلام ربي أعلم منكم بحال من أهله سبحانه للفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى، ولو كان كما تزعمون كاذبا ساحرا مفتريا لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبىء الساحرين
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»