وعن ابن مسعود أنه قرأ بتشديد النون مكسورة بعدها ياء، قيل وهي لغة هذيل، وقال المهدوي: بل لغتهم تخفيفها و * (من) * في قوله تعالى: * (من ربك) * متعلق بمحذوف هو صفة لبرهانان أي كائنان من ربك و * (إلى) * في قوله سبحانه: * (إلى فرعون وملائه) * متعلق بمحذوف أيضا هو على ما يقتضيه ظاهر كلام بعضهم صفة بعد صفة له أي واصلان إليهم، وعلى ما يقتضيه ظاهر كلام آخرين حال منه أي مرسلا أنت بهما إليهم.
وفي " البحر " أنه متعلق بمحذوف دل عليه المعنى تقديره اذهب إلى فرعون * (إنهم) * أي فرعون وملأه * (كانوا قوما فاسقين) * أي خارجين عن حدود الظلم والعدوان فكانوا أحقاء بأن نرسلك بهاتين المعجزتين الباهرتين إليهم، والكلام في كانوا يعلم مما تقدم في نظائره.
* (قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) * * (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف) * لذلك * (أن يقتلون) * بمقابلتها، والمراد بهذا الخبر طلب الحفظ والتأييد لإبلاغ الرسالة على أكمل وجه لا الاستعفاء من الإرسال، وزعمت اليهود أنه عليه السلام استعفى ربه سبحانه من ذلك. وفي التوراة التي بأيديهم اليوم أنه قال يا رب ابعث من أنت باعثه وأكد طلب التأييد بقوله:
* (وأخى هرون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنىأخاف أن يكذبون) * * (وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا) * أي عونا كما روي عن قتادة وإليه ذهب أبو عبيدة وقال: يقال ردأته على عدوه أعنت. وقال أبو حيان: الردء المعين الذي يشتد به الأمر فعل بمعنى مفعول فهو اسم لما يعان به كما أن الدفء اسم لما يتدفأ به قال سلامة بن جندل: وردئي كل أبيض مشرفي * شديد الحد عضب ذي فلول ويقال: ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشبة لئلا يسقط. وفي قوله: * (أفصح مني) * دلالة على أن فيه عليه السلام فصاحة ولكن فصاحة أخيه أزيد من فصاحته، وقرأ أبو جعفر. ونافع. والمدنيان ردا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الدال. والمشهور عن أبي جعفر أنه قرأ بالنقل ولا همز ولا تنوين. ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف. وجوز في ردا على قراءة التخفيف كونه منقوصا بمعنى زيادة من رديت عليه إذا زدت * (يصدقني) * أي يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار، فالتصديق مجاز عن التلخيص المذكور الجالب للتصديق لأنه كالشاهد لقوله، وإسناده إلى هارون حقيقة، ويرشد إلى ذلك وأخي هارون الخ لأن فضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لمثل ما ذكر لا لقوله صدقت أو أخي موسى صادق فإن سحبان وباقلا فيه سواء، أو يصل جناح كلامي بالبيان حتى يصدقني القوم الذين أخاف تكذيبهم فالتصديق على حقيقته وإنما أسند إلى هارون عليه السلام لأنه ببيانه جلب تصديق القوم، ويؤيد هذا قوله: * (إني أخاف أن يكذبون) * لدلالته على أن التصديق على الحقيقة. وقيل: تصديق الغير بمعنى إظهار صدقه، وهو كما يكون بقول هو صادق يكون بتأييده بالحجج ونحوها كتصديق الله تعالى للأنبياء عليهم السلام بالمعجزات. والمراد به هنا ما يكون بالتأييد بالحجج، فالمعنى يظهر صدقي بتقرير الحجج وتزييف الشبه إني أخاف أن يكذبون ولساني لا يطاوعني عند المحاجة. وعليه لا حاجة إلى ادعاء التجوز في الطرف أو في الإسناد. وتعقب بأنه لا يخفى أن صدقه معناه إما قال: إنه صادق أو قال له: صدقت، فإطلاقه على غيره الظاهر أنه مجاز، وجملة