تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٦٦
السلام حقيق بالاستئجار المفهوم من طلب استئجاره، وبعضهم رتب من الآية قياسا من الشكل الأول هكذا هو قوي أمين وكل قوي أمين لائق بالاستئجار ينتج هو لائق بالاستئجار وهو المدعي المفهوم من الطلب، وتعقب بأن هذا ظاهر لوكان خير خبرا وليس هو كذلك، وأجيب بأن المعنى على ذلك إلا أنه جعل اسما للاهتمام بأمر الخيرية لأنها أم الكمال المبني عيها غيرها. وفي " الكشاف " فإن قيل: كيف جعل خير من استأجرت اسما لإن والقوى الأمين خبرا؟ قلت: هل مثل قوله: ألا إن خير الناس حيا وهالكا * أسير ثقيف عندهم في السلاسل في أن العناية هي سبب التقديم وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق أن يكون خبرا اسما وأراد بذلك على ما قيل: أحقية كون خير خبرا من حيث الصاعة، ووجه بأن خيرا مضاف إلى من وهى نكرة فكذا هو والإخبار عن النكرة بالمعرفة خلاف الظاهر، وإن جوزوه في اسمي التفضيل والاستفهام، ولو جعلت موصولة فإضافة أفعل التفضيل لفظية لا تفيد تعريفا كما هو أحد قولين للنحاة فيها، وعلى القول بإفادتها التعريق يقال: المعرف باللام أعرف من الموصول وما أضيف إليه. وتعقب بأن تعريف القوى الأمين للجنس وما فيه تعريف الجنس قد ينزل منزلة النكرة. وأجيب بأن الموصول إذ أريد به الجنس كذلك وهنا تصح هذه الإرادة ليجيء التعدد الذي يقتضيه خير، وحيث كان المضاف إلى شيء دونه يكون القوي الأمين أحق بالاسمية وخير أحق بالخبرية. وإذ قلت بأن أحقية الخبرية لأن سوق التعليل يقتضيها إلا أنه عدل إلى الاسمية للاهتمام خلصت من كثير من المناقشات. وقال لي الشيخ خليل أفندي الآمدي يوم اجتمعت به وأنا شاب عند وروده إلى بغداد فجرى بحث في هذه الآية الكريمة: إن القياس المأخوذ منها من الشكل الثاني هكذا موسى القوي الأمين وخير من استأجرت القوي الأمين ينتج موسى خير من استأجرت. فقلت: أظهر ما يرد على هذا أن شرط إنتاج الشكل الثاني بحسب الكيفية اختلاف مقدمتيه بالإيجاب والسلب بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة وهو منتف فيما ذكرت فسكت وأعرض عن البحث حذرا من الفضيحة.
وأنت تعلم أن أدلة القرآن لا يلزم فيها الترتيب الذي وضعه المنطقيون فذلك صناعة أغنى الله تعالى العرب عنها، وما ذكر من أنجملة خير اسما للاهتمام هو ما اختاره غير واحد، وجوز الطيبي أن يكون تقديمه وجعله اسما من باب اقللب للمبالغة، والظاهر أن أل في القوى الأمين للجنس فيندرج موسى عليه السلام وهو وجه الاستدلال. وذكر الاستئجار بلفظ مع أن الظاهر ذكره بلفظ المضارع للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف. وجوز الطيبي أن يكون المراد بالقوي الأمين موسى عليه السلام فكأنها قالت: إن خير من استأجرت موسى، والأول أولى. ثم إن كلامها هذا كلام حكيم جامع لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت الخصلتان أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك. وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة أن تقول: استأجره لقوته وأمانته، ولعمري أن مثل هذا المدح من المرأة للرجل أجمل من المدح الخاص وأبقى للحشمة وخصوصا إن كانت فهمت أن غرض أبيها أن يزوجها منه، ومعرفتها قوته عليه السلام لما رأت من دفعه الناس عن الماء وحده حتى سقى لهما، ومعرفتها أمانته من عدم تعرضه لها قبيح ما مع وحدتها وضعفها. وروى أنها لما قالت ما قالت قال لها أبوها: ما أعلمك بقوته؟
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»