تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٨١
يكن عنده ما يقضتي الجزم بالعدم وأراد بقوله إني لأظنه من الكاذبين إني لأظنه كاذبا في دعوى الرسالة من الله تعالى، وأراد بقوله: يا هامان أوقد لي على الطين الخ إعلام الناس بفساد دعواه تلك بناء على توهمه أنه تعالى إن كان كان في السماء بأنه لو كان رسولا منه تعالى فهو ممن يصل إليه، وذلك بالصعود إليه وهو مما لا يقوى عليه الإنسان فيكون من نوع المحال بالنسبة إليه فما بنى عليه وهي الرسالة منه تعالى مثله، فقوله: * (فاجعل لي صرحا) * لإظهار عدم إمكان الصعود الموقوف عليه صحة دعوى الرسالة في زعمه ولعل للتهكم.
الثاني: أنه أراد أيضا نفي العلم بالوجود دون الوجود نفسه لكنه كان في نفي العلم ملبسا على قومه كاذبا فيه حيث كان يعلم أن لهم إلها غيره هو إله الخلق أجمعين، وهو الله عز وجل وأراد بقوله: * (وإني) * الخ إني لأظنه كاذبا في دعوى الرسالة كما في سابقه، وأراد بقوله يا هامان الخ طلب أن يجعل له ما يزيل به شكه في الرسالة، وذلك بأن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب الدالة على الحوادث الكونية بزعمه فيرى هل فيها ما يدل على إرسالة الله تعالى إياه.
وتعقب بأنه لا يناسب قوله: * (فأطلع إلى إله موسى) * إلا أن يراد فأطلع على حكم إله موسى بأوضاع الكواكب والنظر فيها هل أرسل موسى كما يقول أم لا؟ فيكون الكلام على تقدير مضاف و * (إلى) * فيه بمعنى على، وجوز على هذا الوجه أن يكون قد أراد بإله موسى الكواكب فكأنه قال لعلي أصعد إلى الكواكب التي هي إله موسى فأنظر هل فيها ما يدل على إرسالها إياه أو لعلي أطلع على حكم الكواكب التي هي إله موسى في أمر رسالته وهو كما ترى، وبالجملة هذا الوجه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. الثالث: أنه أراد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده وبظنه كاذبا ظنه كاذبا في إثباته إلها غيره ويفسر الظن باليقين كما في قول دريد بن الصمة: فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد فإثبات الظن المذكور لا يدفع إرادة ذلك النفي، وجوز بعضهم إبقاءه على ظاهره، وقال في دفع المنافاة: يمكن أن يقال: الظاهر أن كلامه الأول كان تمويها وتلبيسا على القوم، والثاني كان مواضعة مع صاحب سره هامان فإثبات الظن في الثاني لا يدفع أن يكون العلم في الأول لنفي المعلوم، وفيه أنه يأبى ذلك سوق الآية، والفاء في فأوقد لي وطلبه بناء الصرح راجيا الصعود إلى إله موسى عليه السلام أراد به التهكم كأنه نسب إلى موسى عليه السلام القول بأن إلهه في السماء فقال: * (يا هامان اجعل لي صرحا) * لأصعد إلى إله موسى متهكما به، وهذا نظير ما إذا أخبرك شخص بحياة زيد وأنه في داره، وأنت تعلم خلاف ذلك فتقول لغلامك بعد أن تذكر علمك بما يخالف قوله متهكما به يا غلام أسرج لي الدابة لعلي أذنب إلى فلان وأستأنس به بل ما قاله فرعون أظهر في التهكم مما ذكر فطلبه بناء الصرح بناء على هذا لا يكون منافيا لما ادعاه أولا وآخرا من العلم واليقين.
وقال بعضهم: في دفع ما قيل: من المنافاة: إنها إنما تكون لو لم يكن قوله: لعلي أطلع الخ على طريق التسليم والتنزل، وقال آخر في ذلك: إن اللعين كان مشركا يعتقد أن من ملك قطرا كان إلهه ومعبود أهله فما أثبته في قوله: * (لعلي أطلع) * الخ الإله لغير مملكته وما نفاه إلهها كما يشير إليه قوله لكم ولا يخلو عن بحث.
وفي " الكشاف " القول بالمناقضة بين بناء الصرح وما ادعاه من العلم واليقين إلا أنه قال قد خفيت على قومه
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»