تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٨٢
لغباوتهم وبلههم أو لم تخف عليهم ولكن كلا كان يخاف على نفسه سوطه وسيفه وإذا فتح هذا الباب جاز إبقاء الظن على ظاهره من غير حاجة إلى دفع التناقض، والأولى عندي السعي في دفع التناقض فإذا لم يمكن استند في ارتكاب المخذول إياه إلى جهله أو صفهه وعدم مبالاته بالقوم لغباوتهم أو خوفهم منه أو نحو ذلك، واعترض القول بأنه أراد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده فقال في التحقيق: وذكره غيره أيضا إنه غير سديد فإن عدم العلم بالشيء لا يدل على عدمه لا سيما عدم علم شخص واحد. وقال القاضي البيضاوي: هذا في العلوم الفعلية صحيح لأنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها انتفاؤها ولا كذلك العلوم الانفعالية ورد بأن غرض قائل ذلك أن عدم الوجود سبب لعدم العلم بالوجود في الجملة ولا شك أنه كذلك فأطلق المسبب وأريد السبب لا أن بينهما ملازمة كلية على أنه لما كان من أقوى أسباب عدم العلم لأنه المطرد جاز أن يطلق ويراد به الوجود إذ لا يشترط في فن البلاغة اللزوم العقلي بل العادي والعرفي كاف أيضا وقد يقول أحد منا لا أعلم ذلك أي لو كان موجودا لعلمته إذا قامت قرينة وهذا الاستعمال شائع في عرفي العرب والعجم عند العامة والخاصة ومنه قول المزكي: إذا سئل عن عدالة الشهود لا أعلم كيف، وكان المخذول يدعي الإلهية، ثم الظاهر أن الكلام على تقدير إرادة نفي الوجود كناية لا مجاز، وبالجملة ما ذكر وجه وجيه وتعيين الأوجه مفوض إلى ذهنك والله تعالى الموفق.
واستدل بعض من يقول: إن الله تعالى في السماء بالمعنى الذي أراده سبحانه في قوله عز وجل: * (أأمنتم من في السماء) * حسبما يقول السلف بهذه الآية، ووجه ذلك بأن فرعون لو لم يسمع من موسى عليه السلام أن إلهه في السماء لما قال: فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى فقوله ذلك دليل السماع إلا أنه أخطأ في فهم المراد مما سمعه فزعم أن كونه تعالى في السماء بطريق المظروفية والتمكن ونحوهما مما يكون للأجسام، وأنت تعلم أن هذا الاستدلال في غاية الضعف وإثبات مذهب السلف لا يحتاج إلى أن يتمسك له بمثل ذلك وفي قول المخذول: أوقد لي على الطين والمراد به اللبن دون اصنع لي آجرا إشارة إلى أن لم يكن لهامان علم بصنعة الآجر فأمره باتخاذه على وجه يتضمن التعليم، وفي الآثار ما يؤيد ذلك، فقد أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال فرعون أول من أمر بصنعة الآجر وبنائه، وأخرج هو وجماعة عن قتادة قال بلغني أن فرعون أول من طبخ الآجر وصنع له الصرح. وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه حين سافر إلى الشام ورأى القصور المشيدة بالآجر قال ما علمت إن إحدا بني بالآجر غير فرعون وفي أمره إياه وهو وزيره ورديفه بعمل السفلة من الإيقاد على الطين مناديا له باسمه دون تكنية وتلقيب بيا دون ما يدل على القرب في وسط الكلام دون أوله من الدلالة على تجبره وتعظمه ما لا يخفى.
* (واستكبر هو وجنوده فى الارض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) * * (واستكبر هو وجنوده) * أي رأوا كل م سواهم حقيرا بالإضافة إليهم ولم يروا العظمة والكبرياء إلا لأنفسهم فنظروا إلى غيرهم نظر الملوك إلى العبيد * (في الأرض) * الأكثرون على أن المراد في أرض مصر، وقيل: المراد بها الجرم المعروف المقابل للسماء، وفي التقييد بها تشنيع عليهم حيث استكبروا فيما هو أسفل الإجرام وكان اللائق بهم أن ينظروا إلى محلهم وتسفله فلا يستكبروا * (بغير الحق) * أي بغير الاستحقاق لما أن رؤيتهم تلك باطلة ولا تكون رؤية الكل حقيرا بالإضافة إلى الرائي ورؤية العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره حقا إلا من الله عز وجل، ومن هنا قال الزمخشري؛ الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى وكل مستكبر سواه
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»