تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٧
* (كانت تعمل الخبائث) * (الأنبياء: 74) والجنة منزهة عنها. وتعقب هذا الحموي بأنه لا يلزم من كون الشيء خبيثا في الدنيا أن لا يكون له وجود في الجنة ألا ترى أن الخمر أم الخبائث في الدنيا ولها وجود في الجنة، وفيه بحث، لأن حبث الخمر في الدنيا لإزالتها العقل الذي هو عقال عن كل قبيح وهذا الوصف لا يبقى لها في الجنة ولا كذلك اللواطة. وفي الفتوحات المكية في صفة أهل الجنة أنهم لا أدبار لهم لأن الدبر إنما خلق في الدنيا لخروج الغائط وليست الجنة محلا للقاذورات، وعليه فعدم وجودها في اجلنة ظاهر، ولا أظن ذا غيرة صادقة تسمح نفسه أن يلاط به في الجنة سرا أو علنا، وجواز وقوعها فيها قد ينجر إلى أن تسمح نفسه بذلك أو يجبر عليه وذلك إذا اشتهى أحد أن يلوط به إذ لا بد من حصول ما يشتهيه، وهذا وإن لم يكن قطعيا في عدم وقوع اللواطة مطلقا في اجلنة إلى أنه يقوي القول بعدم الوقوع فتأمل.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * * (وإلى مدين) * متعلق بأرسلنا مقدر معطوف على أرسلنا في قصة نوح أي وأرسلنا إلى مدين * (أخاهم شعيبا فقال) * لهم * (ي‍اقوم اعبدوا الله) * وحده * (وارجوا اليوم الآخر) * أي توقعوه وما سيقع فيه من فنون الأهوال وافعلوا اليوم من الأعمال ما تأمنون به غائلته، أو الأمر بالرجاء أمر بفعل ما يترتب عليه الرجاء إقامة للمسبب مقام السبب، وفي الكلام مضاف مقدر فالمعنى افعلوا ما ترجون به ثواب اليوم الآخر، وجوز أن لا يقدر مضاف، وإرادة الثواب من إطلاق الزمان على ما فيه، وقيل: الأمر برجاء الثواب أمر بسببه اقتضاء بلا تجوز فيه بعلاقة السببية.
وقال أبو عبيدة: الرجاء هنا بمعنى الخوف والمعنى وخافوا جزاء اليوم الآخر من انتقام الله تعالى منكم إن لم تعبدون * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * حال مؤكدة لأن العثو الفساد * (فكذبوه) * فيما تضمنه كلامه من أنهم إن لم يمتثلوا أمره ونهيه وقع بهم العذاب وإليه ذهب أبو حيان، وقيل: من أنه تعالى مستحق لأن يعبد وحده سبحانه وأن اليوم الآخر متحقق الوقوع أو نحو ذلك.
* (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين) * * (فأخذتهم) * بسبب تكذيبهم إياه * (الرجفة) * أي الزلزلة الشديدة وفي سورة هود * (وأخذت الذين ظلموا الصيحة) * (هود: 94) أي صيحة جبريل عليه السلام فإنها الموجبة للرجفة بسبب تمويجها للهواء وما يجاورها من الأرض، وفسر مجاهد الرجفة هنا بالصيحة، فقيل: لذلك؛ وقيل: لأنها رجفت منها القلوب * (فأصبحوا في دارهم) * أي بلدهم فإن الدار تطلق على البلد، ولذا قيل: للمدينة دار الهجرة أو المراد مساكنهم وأقيم فيه الواحد مقام الجمع لأمن اللبس لأنهم لا يكونون في دار واحدة، ولعل فيه إشارة إلى أن الرجفة خربت مساكنهم وهدمت ما بينها من الجدران فصارت كمسكن واحد.
* (جاثمين) * أي باركين على الركب، والمراد ميتين على ما روى عن قتادة.
وفي مفردات الراغب هو استعارة للمقيمين من قولهم: جثم الطائر إذا قعد ولطىء بالأرض ويرجع هذا إلى ميتين أيضا.
* (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مس‍اكنهم وزين لهم الشيط‍ان أعم‍الهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) * * (وعادا وثمود) * منصوبان بإضمار فعل ينبىء عنه ما قبله من قوله تعالى: * (فأخذتهم الرجفة) * أي وأهلكنا عادا وثمود، وقوله تعالى: * (وقد تبين لكم من مس‍اكنهم) * عطف على ذلك المضمر أي وقد ظهر لكم أتم ظهور إهلاكنا إياهم من جهة مساكنهم أو بسببها. وذلك بالنظر إليها عند اجتيازكم بها ذهبا إلى الشام وإيابا منه، وجوز كون * (من) * تبعيضية، وقيل: هما منصوبان بإضمار اذكروا أي واذكروا عادا وثمود.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»