النار وإما أن يموت بها إن أصر على قوله ودينه، وأيا ما كان ففيه إسناد للبعض إلى الكل، وجاء هنا الترديد بين قتله عليه السلام وإحراقه فقد يكون ذلك من قائلين ناس أشاروا بالقتل وناس بالإحراق، وفي اقترب قالوا حرقوه اقتصروا على أحد الشيئين وهو الذي فعلوه رموه عليه السلام في النار ولم يقتلوه ثم إنه ليس المراد أنهم لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن حججه عليه السلام إلا هذه المقالة الشنيعة كما هو المتبادر من ظاهر النظم الكريم، بل ءن ذلك هو الذي استقر عليه جوابهم بعد اللتيا والتي في المرة الأخيرة، وإلا فقد صدر عنهم من الخرافات والأباطيل ما لا يحصى * (فأنجاه الله من النار) * الفاء فصيحة أي فألقوه في النار فأنجاه الله تعالى منها بأن جعلها سبحانه عليه بردا وسلاما حسبما بين في مواضع أخر، وقد مر بيان كيفية القائه عليه السلام فيها وإنجائه تعالى إياه منها، وكان ذلك في كوثى من سواد الكوفة ، وكونه في المكان المشهور اليوم من أرض الرهى وعنده صورة المنجنيق وماء فيه سمك لا يصطاد ولا يؤكل حرمة له لا أصل له * (إن في ذلك) * أي في إنجائه عليه السلام منها * (لآيات) * بينة عجيبة وهي حفظه تعالى إياه من حرها وإخمادها في زمان يسير وإنشاء روض في مكانها.
وعن كعب أنه لم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه عليه السلام به، ولولا وقوع اسم الإشارة في أثناء القصة لكان الأولى كونه إشارة إلى ما تضمنته * (لقوم يؤمنون) * خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون الفحص عنها، والتأمل فيها.
* (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحيواة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) * * (وقال) * إبراهيم عليه السلام مخاطبا لهم بعد أن أنجاه الله تعالى من النار.
* (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياوة الدنيا) * أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها وائتلافكم كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وتصادقهم، فالمفعول له غاية مترتبة على الفعل ومعلول له في الخارج، أو المعنى إن المودة بعضكم بعضا هي التي دعتكم إلى اتخاذها بأن رأيتم بعض من تودونه اتخذها فاتخذتموها موافقة له لمودتكم إياه، وهذا كما يرى الإنسان من يوده يفعل شيئا فيفعله مودة له، فالمفعول له على هذا علة باعثة على الفعل وليس معلولا له في الخارج، والمراد نفي أن يكون فيها نفع أو ضر وأن الداعي لاتخاذها رجاء النفع أو خوف الضر، وكأنه لم يعتبر ما جعلوه علة لاتخاذها علة وهو ما أشاروا إليه في قولهم: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) للإشارة إلى أن ذلك لكونه أمرا موهوما لا حقيقة له مما لا ينبغي أن يكون علة باعثة وسببا حاملا لمن له أدنى عقل.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون المخاطبون في هذه الآية أناسا مخصوصين، والقائلون: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * أناسا غيرهم، وقيل: إن الأوثان أول ما اتخذت بسبب المودة، وذلك أنه كان أناس صالحون فماتوا وأسف عليهم أهل زمانهم فصورا حجارا بصورهم حبا لهم فكانوا يعظمونها في الجملة ولم يزل تعظيمها يزداد جيلا فجيلا حتى عبدت، فالآية إشارة إلى ذلك، والمعنى إنما اتخذ أسلافكم من دون الله أوثانا الخ، ومثله في القرآن الكريم كثير، وثاني مفعولي اتخذتم محذوف تقديره آلهة.
وقال مكي: يجوز أن يكون اتخذ متعديا إلى مفعول واحد كما في قوله تعالى: * (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب) * (الأعراف: 152) ورد بأنه مما حذف مفعوله الثاني أيضا، وجوز أن يكون مودة هو المفعول الثاني بتقدير مضاف أي ذات مودة وكونها ذات مودة باعتبار كونها سبب المودة، وظاهر كلام الكشاف أن المضاف المحذوف