أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء على ما هو الظاهر فيه، على أن ابن مالك اشترط في جوازه عطف الموصول المحذوف على موصول آخر مذكور كما في هذا البيت، وبأن فيه حذف الخبر أيضا مع عدم الحاجة إليه، ولهذا جعل بعضهم الموصول معطوفا على أنتم ولم يجعله مبتدأ محذوف الخبر ليكون العطف من عطف الجملة على الجملة، وزعم بعضهم أن الموصول محذوف في موضعين وأنه مفعول به لمعجزين وقال: التقدير وما أنتم بمعجزين من في الأرض أي من الإنس والجن ولا من في السماء أي من الملائكة عليهم السلام فكيف تعجزون الله عز وجل، ولا يخفى أن هذا في غاية البعد ولا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى.
وقيل ليس في الآية حذف أصلا، والسماء هي المظلة إلا أن * (أنتم) * خطاب لجميع العقلاء فيدخل فيهم الملائكة ويكون السماء بالنظر إليهم والأرض بالنظر إلى غيرهم من الإنس والجن وهو كما ترى.
* (وما لكم من دون الله من ولي) * يحرسكم من بلاء أرضي أو سماوي * (ولا نصير) * يدفعه عنكم.
* (والذين كفروا باايات الله ولقآئه أولائك يئسوا من رحمتى وأولائك لهم عذاب أليم) * * (والذين كفروا بآيات الله) * أي بدلائله التكوينية والتنزيلية الدالة على ذاته وصفاته وأفعاله، فيدخل فيها النشأة الأولى الدالة على صحة البعث والآيات الناطقة به دخولا أوليا، وتخصيصها بدلائل وحدانيته تعالى لا يناسب المقام * (ولقائه) * الذي تنطق به تلك الآيات * (أولئك) * الموصوفون بما ذكر من الكفر بآياته تعالى ولقائه عز وجل * (يئسوا من رحمتي) * أي ييأسون منها يوم القيامة على أنه وعيد، وإلا فالكافر لا يوصف باليأس في الدنيا لأنه لا رجاء له، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق، وجوز أن يكون المراد إظهار مباينة حالهم وحال المؤمنين لأن حال المؤمن الرجاء والخشية وحال الكافر الاغترار واليأس فهو لا يخطر بباله رجاء ولا خوفا؛ إن أخطر المخوف بباله كان حاله اليأس بدل الخوف وإن أخطر المرجو كان حاله الاغترار بدل الرجاء، فكأنه تنصيص على كفرهم وتعريف لحالهم، وأن يكون الكلام على الاستعارة.
شبهوا بالآيسين من الرحمة وهم الذين ماتوا على الكفر لأنه ما دامت الحياة لا يتحقق اليأس من الرحمة لرجاء الإيمان، أو من قدر آيسا من الرحمة على الفرض دلالة على توغلهم في الكفر وعدم ارعوائهم. وقرأ الذماري: وأبو جعفر، * (ييسوا) * بغير همز بل بياء بدل الهمزة * (وأولائك لهم عذاب أليم) * في تكرير اسم الإشارة وتكرير الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالأليم من الدلالة على فظاعة حالهم ما لا يخفى. لكن قال الإمام: إنه تعالى أضاف الرحمة إلى نفسه عز وجل دون العذاب ليؤذن بأن رحمته جل وعلا سبقت غضبه سبحانه، وأنت تعلم أن في الآية على هذا دلالة على سوء حالهم أيضا لإفادتها أنهم حرموا تلك الرحمة العظيمة بما ارتكبوه من العظائم.
* (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن فى ذالك لايات لقوم يؤمنون) * * (فما كان جواب قومه) * بالنصب على أنه خبر كان واسمها قوله تعالى: * (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) *.
وقرأ الحسن. وسالم الأفطس بالرفع على العكس، وقد مر ما فيه في نظائره، والمراد بالقتل ما كان بسيف ونحوه فتظهر مقابلة الإحراق له، ولا حاجة إلى جعل أو بمعنى بل، والآمرون بذلك إما بعضهم لبعض أو كبرائهم قالوا لأتباعهم: اقتلوه فتستريحوا منه عاجلا أو حرقوه بالنار فإما أن يرجع إلى دينكم إذا مضته