هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لنبي غيره، ولا يخفى حال بعض هذه الأقوال، وذكر بعضهم أن المراد آتيناه أجره بمقابلة هجرته إلينا، وعليه لا يصح عد الإنجاء من النار من الأجر بل يعد إعطاء الولد والذرية الطيببة واستمرار النبوة فيهم ونحوه ذلك مما كان له عليه السلام بعد الهجرة من الأجر، وعطف هذا وما بعده من قوله تعالى: * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * أي لفي عداد الكاملين في الصلاح من التعميم بعد التخصيص، كأنه لما عدد ما أنعم به عليه من النعم الدينية والدنيوية قال سبحانه: وجمعنا له ما ذكر خير الدارين.
* (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) * * (ولوطا) * عطف على إبراهيم أو على نوحا والكلام في قوله تعالى: * (إذ قال لقومه) * كالذي في القصة السابقة.
* (إنكم لتأتون الفاحشة) * الفعلة البالغة في القبح، وقرأ الجمهور * (أئنكم) * على الاستفهام الإنكاري:
* (ماسبقكم بها من أحد من العالمين) * استئناف مقرر لكمال قبحها، فإن إجماع جميع أفراد العالمين على التحاشي عنها ليس إلا لكونها مما تشمئز منه الطباع السليمة وتنفر منه النفوس الكريمة، وجوز أبو حيان كون الجملة حالا من ضمير تأتون، كأنه قيل: إنكم لتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها.
* (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * * (ائنكم لتأتون الرجال) * أي تنكحونهم * (وتقطعون السبيل) * أي وتقطعون الطريق بسبب تكليف الغرباء والمارة تلك الفعلة القبيحة وإتيانهم كرها أو وتقطعون سبيل النسل بالإعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحرث، وقيل: تقطعون الطريق بالقتل وأخذ المال، وقيل: تقطعونه بقبح الأحدوثة * (وتأتون) * أي تفعلون * (في ناديكم) * أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه، وهو اسم جنس إذ أنديتهم في مجالسهم كثيرة، ولا يسمى ناديا إلا إذا كان فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يطلق عليه ناد * ( المنكر) * أخرج أحمد. والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه. والطبراني. والبيهقي في الشعب. وغيرهم عن أم هانىء بنت أبي طالب قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى * (وتأتون في ناديكم المنكر) * (العنكبوت: 29) فقال: كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم، وعن مجاهد. ومنصور والقاسم بن محمد. وقتادة. وابن زيد. هو إتيان الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا، وعن مجاهد أيضا هو لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم، وعن ابن عباس هو تضارطهم وتصافعهم فيها، وفي رواية أخرى عنه هو الخذف بالحصى والرمي بالبنادق والفرقعة ومضغ العلك والسواك بين الناس وحل الإزار والسباب والفحش في المزاح ولم يأت في قصة لوط عليه السلام أنه دعا قومه إلى عبادة الله تعالى كما جاء في قصة إبراهيم وكذا في قصة شعيب الآتية لأن لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وقد سبقه إلى الدعاء لعبادة الله تعالى وتوحيده واشتهر أمره عند الخلق فذكر لوط عليه السلام ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها، وأما إبراهيم وشعيب عليهما السلام فجاءا بعد انقراض من كان يعبد الله عز وجل ويدعو إليه سبحانه فلذلك دعا كل منهما قومه إلى عبادته تعالى كذا في " البحر ".
* (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * أي فيما تعدنا من نزول العذاب على ما في " الكشف " وغيره، وهذا ظاهر في أنه عليه السلام كان أوعدهم بالعذاب، وقيل: أي دعوى استحقاقنا العذاب على ما نحن عليه المفهومة من التوبيخ المعلوم من الاستفهام الإنكاري،