منصوبا بأعلم على أنه بمعنى عالم، والمراد أنه عز وجل يجازي كلا ممن جاء بالهدى ومن هو في ضلال على عمله، والجملة تقرير لقوله تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن) * الخ. وفي معالم التنزيل هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك في ضلال، ولعله لهذا وكون السبب فيه مجيئه عليه الصلاة والسلام إليهم بالهدى قيل: في جانبه صلى الله عليه وسلم من جاء بالهدى وفي جانبهم من هو في ضلال مبين، ولم يؤت بهما على طرز واحد.
* (وما كنت ترجوأن يلقى إليك الكتابإلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين) * * (وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتب) * تقرير لذلك أيضا أي سيردك إلى معاد كما أنزل إليك القرآن العظيم الشأن وما كنت ترجوه، وقال أبو حيان. والطبرسي: هو تذكير لنعمته عز وجل عليه عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: * (إلا رحمة من ربك) * على ما ذهب إليه الفراء وجماعة استثناء منقطع أي ولكن ألقاه تعالى إليك رحمة منه عز وجل، وجوز أن يكون استثناء متصلا من أعم العلل أو من أعم الأحوال على أن المراد نفي الإلقاء على أبلغ وجه، فيكون المعنى ما ألقى إليك الكتاب لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل الترحم أو في حال من الأحوال إلا في حال الترحم * (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) * أي معينا لهم على دينهم، قال مقاتل: إن كفار مكة دعوه صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائه فذكره الله تعالى نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه.
* (ولا يصدنك عن ءايات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين) * * (ولا يصدنك) * أي الكافرون * (عن ءايات الله) * أي قراءتها والعمل بها.
* (بعد إذ أنزلت إليك) * أي بعد وقت إنزالها وإيحائها إليك المقتضى لنبوتك ومزيد شرفك، وقرأ يعقوب * (يصدنك) * بالنون الخفيفة وقرىء * (يصدنك) * مضارع أصد بمعنى صد حكاه أبو زيد عن رجل من كلب قال: وهي لغة قومه وقال الشاعر: أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم * صدود السواقي عن أنوف الحوائم * (وادع) * الناس * (إلى ربك) * إلى عبادته جل وعلا وتوحيده سبحانه * (ولا تكونن من المشركين) * بمظاهرتهم.
* (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * * (ولا تدع مع الله إلها ءاخر) * أي ولا تعبد معه تعالى غيره عز وجل، وهذا وما قبله للتهييج والإلهاب وقطع أطماع المشركين عن مساعدته عليه الصلاة والسلام إياهم وإظهار أن المنهي عنه في القبح والشرية بحيث ينهي عنه من لا يتصور وقوعه منه أصلاف، وروى محيي السنة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أهل دينه وهو في معنى ما حكى عنه الطبرسي أن هذا وأمثاله من باب: إياك أعني واسمعي يا جاره * (لا إلاه إلا هو) * وحده * (كل شيء) * أي موجود مطلقا * (هالك) * أي معدوم محض، والمراد كونه كالمعدوم وفي حكمه * (إلا وجهه) * أي إلا ذاته عز وجل وذلك لأن وجود ما سواه سبحانه لكونه ليس ذاتيا بل هو مستند إلى الواجب تعالى في كل آن قابل للعدم وعرضة له فهو كلا وجود وهذا ما اختاره غير واحد من الأجلة، والكلام عليه من قبيل التشبيه البليغ، والوجه بمعنى الذات مجاز مرسل وهو مجاز شائع وقد يختص بما شرف من الذوات، وقد يعتبر ذلك هنا، ويجعل نكتة للعدول عن إلا إياه إلى ما في " النظم الجليل ".
وفي الآية بناء على ما هو الأصل من اتصال الاستثناء دليل على صحة إطلاق الشيء عليه جل وعلا.