وتعقبه أبو حيان بأن التضمين ليس بقياس ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه * (ساء ما يحكمون) * أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك على أن ساء بمعنى بئس و * (ما) * موصولة و * (يحكمون) * صلتها، والعائد محذوف وهي فاعل ساء، والمخصوص بالذم محذوف أو بئس حكما يحكمونه حكمهم ذلك على أن ما موصوفة ويحكمون صفتها والرابط محذوف وهي تمييز وفاعل ساء ضمير مفسر بالتمييز والمخصوص محذوف أيضا. وقال ابن كيسان: * (ما) * مصدرية، والمصدر المؤول مخصوص بالذم فالتمييز محذوف، وجوز كون ساء بمعنى قبح وما إما مصدرية أو موصولة أو موصوفة، والمضارع للاستمرار إشارة إلى أن دأبهم ذلك أو هو واقع موقع الماضي لرعاية الفاصلة وكلا الوجهين حكاهما في البحر، والأول أولى، وعندي أن مثل هذا لا يقال: إلا في حق الكفرة.
* (من كان يرجو لقآء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم) * * (من كان يرجو لقاء الله) * أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: أي من كان يخشى البعث في الآخرة فالرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي في وصف عسال: إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عوامل ولعل إرادة البعث من لقائه عز وجل لأنه من مباديه، وقيل: لعل جعل لقاء الله تعالى عبارة عن الوصول إلى العاقبة إلا أنه لما كان البعث من أعظم ما يتوقف ذلك عليه خصه بالذكر، وفي " الكشاف " أن لقاء الله تعالى مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل؛ وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فأما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى * (من كان) * الخ من كان يأمل تلك الحال وإن يلقى فيها الكرامة من الله تعالى والبشرى، فالكلام عنده من باب التمثيل والرجاء بمعنى الأمل والتوقع.
وجوز أن يكون بمعنى ذلك إلا أن الكلام بتقدير مضاف أي من كان يتوقع ملاقاة جزاء الله تعالى ثوابا أو عقابا أو ملاقاة حكمه عز وجل يوم القيامة وأن يكون بمعنى الخوف، والمضاف محذوف أيضا أي من كان يخاف ملاقاة عقاب الله تعالى، وأن يكون بمعنى ظن حصول ما فيه مسرة وتوقعه كما هو المشهور، والمضاف كذلك أيضا، أي من كان يرجو ملاقاة ثواب الله تعالى، ويجوز أن لا يقدر مضاف، ويجعل لقاء الله تعالى مجازا عن الثواب لما أنه لازم له.
واختار بعضهم أن الرجاء بمعناه المشهور وأن لقاء الله تعالى مشاهدته سبحانه على الوجه اللائق به عز وجل كما يقوله أهل السنة والجماعة إذ لا حاجة للخروج عن الظاهر من غير ضرورة وما حسبه المعتزلي منها فليس منها كما بين في علم الكلام أي من كان يتوقع مشاهدة الله تعالى يوم القيامة التي لا نعيم يعدلها ويلزمها الفوز بكل خير ونعيم * (فإن أجل الله) * الأجل غاية لزمان ممتد عينت لأمر من الأمور، وقد يطلق على كل ذلك الزمان، والأول أشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه جل شأنه لذلك * (لآت) * لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لأن أجزاء الزمان على التقضي والتصرم دائما، ومجيء ذلك الوقت كناية عن إتيان ما فيه ووقوعه، والجملة الاسمية قائمة مقام جواب الشرط وهي في الحقيقة دليل الجواب المحذوف أي فليبادر ما ينفقه من امتثال الأوامر واجتناب المناهي أو فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو نحوه ذلك مما يلائم الشرط فتدبر.