تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٨
فإنا لا نعلم وجه تخصيص كل ذنب منها بحد مخصوص من تلك الحدود المختلفة لكنا نجزم بأن ذلك لا يخلو عن الحكمة، وأجاب الإمام عن مسألة الكفر وعذاب الأبد بأن ذلك لأن الكافر كان عازما أنه لو عاش إلا الأبد لبقي على ذلك الكفر، وقيل: في وجه تعذيب الكافر أبد الآباد إن جزاء المعصية يتفاوت حسبل تفاوت عظمة المعصى فكلما كان المعصى أعظم كان الجزاء أعظم، فحيث كان الكفر معصية من لا تتناهي عظمته جل شأنه كان جزاؤه غير متناع، وقياس ذلك أن يكون جزاء كل معصية كذلك إلا أنه لم يكن كذلك فيما عدا الكفر فضلا منه تعالى شأنه لمكان الإيمان، وقيل أيضا: إن كل كفر قولا كان أو فعلا يعود إلى نسبة النقص إليه عز وجل المانفي لوجوب الوجود المقتضى لوجوده سبحانه أزلا وأبدا وإذا توهم هناك زمان ممتد كان غير متناه فحيث كان الكفر مستلزما نفي وجوده تعالى شأنه فيما لا يتناهى كان جزاؤه غير متناه ولا كذلك سائر المعاصي فتدبر.
* (إن الذى فرض عليك القرءان لرآدك إلى معاد قل ربىأعلم من جآء بالهدى ومن هو فى ضل‍ال مبين) * * (إن الذي فرض عليك القرآن) * أي أوجب عليك العمل به كما روي عن عطاء. وعن مجاهد أي أعطاكه، وعن مقاتل وإليه ذهب الفراء. وأبو عبيدة أي أنزله عليك والمعول عليه ما تقدم.
* (لرادك إلى معاد) * أي إلى محل عظيم القدر اعتدت به وألفته على أنه من العادة لا من العود، وهو كما في " صحيح البخاري "، وأخرجه ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. والنسائي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس مكة، وروي ذلك أيضا عن مجاهد. والضحاك. وجوز أن يكون من العود، والمراد به مكة أيضا بناء على ما في مجمع البيان عن القتيبي أن معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، وقد يقال: أطلق المعاد على مكة لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه عليه الصلاة والسلام يهاجر منها ويعود إليها، وروي عن غير واحد أن الآية نزلت بالجحفة بعد أن خرج صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا واشتاق إليها، ووجه ارتباطها بما تقدمها تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة.
وقيل: إنه تعالى لما ذكر من قصة موسى عليه السلام وقومه مع قارون وبيعه واستطالته عليهم وهلاكه ونصرة أهل الحق عليه ما ذكر ذكر جل شأنه هنا ما يتضمن قصة سيدنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأصحابه مع قومه واستطالتهم عليه وإخراجهم إياه من مسقط رأسه ثم اعزازه عليه الصلاة والسلام بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصورا مكرما ووسط سبحانه بينهما ما هو كالتخلص من الأول إلى الثاني.
وأخرج الحاكم في التاريخ. والديلمي عن عي كرم الله تعالى وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر المعاد بالجنة، وأخرج تفسيره بها ابن أبي سيبة. والبخاري في تاريخه. وأبو يعلى. وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس، والتنكير عليه للتعظيم أيضا، ووجه ارتباطا الآية بما قبلها أنها كالتصريح ببعض ما تضمنه ذلك.
واستشكل رده عليه الصلاة والسلام إلى الجنة من حيث إنه يقتضي سابقية كونه صلى الله عليه وسلم فيها مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»