وفي بعض الروايات أنهم يطلبون البشرى من الملائكة عليهم السلام فيقولون ذلك لهم، وقال بعضهم: يعنون حراما محرما عليكم الجنة وحكاه في " مجمع البيان " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: الغفران، وفي جعل * (حجرا) * نصبا على المفعولية لجعل مقدرا كما أشير إليه بحث، والظاهر على ما ذكر أن إيراد هذه الكلمة للحرمان وهو المعنى الأول من المعنيين اللذين ذكرهما الفارسي * (ويقولون) * على هذا القول قيل معطوف على ما عطف عليه على القول بأن ضميره للكفرة، وقيل: معطوف على جملة يقولون المقدرة قيل * (لا بشرى) * الواقعة حالا.
وقال الطيبي: هو حال من * (الملائكة) * بتقدير وهم يقولون نظير قولهم: قمت وأصك وجهه وعلى الأول هو عطف على * (يرون) *.
* (وقدمنآ إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هبآء منثورا) * * (وقدمنا) * أي عمدنا وقصدنا كما روي عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد * (إلى ما عملوا) * في الدنيا * (من عمل) * فخيم كصلة رحم. وإغاثة ملهوف. وقرى ضعيف. ومن على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم التي لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها، والجار والمجرور بيان لما وصحة البيان ابعتبار التنكير كصحة الاستثناء في * (إن نظن إلا ظنا) * (الجاثية: 32) لكن التنكير ههنا للتفخيم كما أشرنا إليه.
وجوز أن يكون للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي عمدنا إلى كل عمل عملوه خال عن الإيمان، ولعل الأول أنسب بقوله تعالى: * (فجعلناه هباء) * مثل هباء في الحقارة وعدم الجدوى، وهو على ما أخرج عبد الرزاق. والفريابي. وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه وهج الغبار يسطع ثم يذهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه الشرر الذي يطير من النار إذا اضطرمت، وفي رواية أخرى عنه أنه الماء المهراق. وعن يعلى بن عبيد أنه الرماد.
وأخرج جماعة عن مجاهد. والحسن. وعكرمة. وأبي مالك. وعامر أنه شعاع الشمس في الكوة وكأنهم أرادوا ما يرى فيه من الغبار كما هو المشهور عند اللغويين، قال الراغب: الهباء دقاق التراب وما أنبث في الهواء فلا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس في الكوة ويقال: هبا الغبار يهبو إذا ثار وسطع، ووصف بقوله تعالى: * (منثورا) * مبالغة في إلغاء أعمالهم فإن الهباء تراه منتظما مع الضوء فإذا حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب فلم يكف أن شبه أعمالهم بالهباء حتى جعل متناثرا لا يمكن جمعه والانتفاع به أصلا، ومثل هذا الإرداف يسمى في " البديع " بالتتميم والإيغال، ومنه قول الخنساء: أغر أبلج تاتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار حيث لم يكفها أن جعلته علما في الهداية حتى جعلته في رأسه نار، وقيل: وصف بالمنثور أي المتفرق لما أن أغراضهم في أعمالهم متفرقة فيكون جعل أعمالهم هباء متفرقا جزاء من جنس العمل، وجوز أن يكون مفعولا بعد مفعول لجعل وهو مراد من قال: مفعولا ثالثا لها على معنى جعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر، ونظير ذلك قوله تعالى: * (كونوا قردة خاسئين) * (البقرة: 65) أي جامعين للمسخ والخسء، وفيه خلاف ابن درستويه حيث لم يجوز أن يكون لكان خبران وقياس قوله: أن يمنع أن يكون لجعل مفعول ثالث، ومع هذا الظاهر الوصفية، وفي الكلام استعارة تمثيلية حيث مثلت حال هؤلاء الكفرة وحال أعمالهم التي عملوها