تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٥
والأخفش هل الخبر لنفس لا أو للمبتدأ الذي هو مجموع ولا ما بنى معها. وإن كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون * (يومئذ) * معمولا لبشرى وأن يكون صفة والخبر * (للمجرمين) *، وجاز أن يكون * (يومئذ) * خبرا * (وللمجرمين) * صفة، وجاز أن يكون * (يومئذ) * خبر أو * (للمجرمين) * خبرا بعد خبر والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا للا نفسها بالإجماع.
وقال الزمخشري: يومئذ تكرير ولا يجوز ذلك سواء أريد بالتكرير التوكيد اللفظي أم أريد به البدل لأن * (يوم) * منصوب بما تقدم ذكره من أذكر أو من يفقدون وما بعد لا العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبلها انتهى. ولا يخفى عليك ما في الاحتمالات التي ذكرها. وأما ما اعترض به على الزمخشري فتعقب بأن الجملة المنفية معمولة لقول مضمر وقع حالا من الملائكة التي هي معمول ليرون * (ويرون) * معمول ليوم فلا وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث أنه معمولا لبعض ما في حيزه ومثله لا يعد محذورا مع أن كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بنى معها اسمها ليس بمسلم عند جميع النحاة لأنها لكثرة دورها خرجت عن الصدارة فتأمل، هذا ما وقفنا عليه للمتقدمين في إعراب الآية وما فيه من الجرح والتعديل.
وقال بعض العصريين: يجوز تعلق * (يوم) * بكبيرا وتقييد كبره بذلك اليوم ليس لنفي كبره في نفسه بل لظهور موجبه في ذلك اليوم ونظيره لزيد علم عظيم يوم يباحث الخصوم وتكون جملة * (لا بشرى يومئذ للمجرمين) * استئنافا لبيان ذلك وهو كما ترى، وأيا ما كان فالمراد بذلك اليوم على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يوم الموت، وقال أبو حيان: الظاهر أنه يوم القيامة لقوله تعالى بعد: * (وقدمنا إلى ما عملوا) * (الفرقان: 23) الخ وفيه نظر.
ونفي البشرى كناية عن إثبات ضدها كما أن نفي المحبة في مثل قوله تعالى: * (فإن الله لا يحب الكافرين) * (آل عمران: 32) كناية عن البغض والمقت فيدل على ثبوت النذري لهم على أبلغ وجه، والمراد بالمجرمين أولئك الذين لا يرجون لقاءه تعالى، ووضع المظهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالإجرام مع ما هم عليه من الكفر والعناد وإيذانا بعلة الحكم، ومن اعتبر المفهوم في مثله ادعى إفادة الآية عدم تحقق الحكم في غيرهم، وقد دل قوله تعالى في حق المؤمنين: * (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا) * (فصلت: 41) الخ على حصول البشرى لهم، وقيل: المراد بهم ما يعم العصاة والكفار الذين لا يرجون لقاءه تعالى، ويفيد الكلام سلب البشرى عن الكفار على أتم وجه لدلالته على أن المانع من حصول البشرى هو الإجرام ولا إجرام أعظم من إجرام الذين لا يرجون لقاءه عز وجل ويقولون ما يقولون فهم أولى به. ولا يتم استدلال المعتزلة بالآية عليه في نفي العفو والشفاعة للعصاة لأنها لا تفيد النفي في جميع الأوقات فيجوز أن يبشر العصاة بما ذكر في وقت آخر.
وتعقب بأن الجملة قبل النفي لكونها اسمية تفيد الاستمرار فبعد دخول النفي إرادة نفي استمرار البشرى للمجرمين بمعنى أن البشرى تكون لهم لكن لا تستمر مما لا يظن أن أحدا يذهب إليه فيتعين إرادة استمرار النفي كما في قوله تعالى في حق أضدادهم * (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) فحينئذ لا يتسنى قوله: إنها لا تفيد النفي في جميع الأوقات، فالأولى أن يراد بالمجرمين من سمعت حديثهم * (ويقولون) * عطف على لا يبشرون أو يمنعون البشرى أو نحوه المقدر قبل * (يوم) *.
وجوز أن يكون عطفا على ما قبله باعتبار ما يفهم منه كأنه قيل: يشاهدون أهوال القيامة ويقولون، وأن
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»