* (علينا) * معنى كل واحد منا ولم يعتبر توزيع، ويشير أيضا إلى قوة ذلك تعبيرهم بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي في أو * (نرى ربنا) * كأنهم لم يكتفوا برؤيته تعالى وإخباره سبحانه بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يروه سبحانه ويخبرهم مرارا بذلك، ولا يأبى قصد الاستمرار من المضارع كون الأصل في * (لولا) * التي للتحضيض أو العرض أن تدخل على المضارع وما لم يكن مضارعا يؤول به، ولعل عدولهم إلى الماضي في جانب إنزال الملائكة المعطوف عليه وإن كان في تأويل المضارع على نحو ما قدمنا في تفسير قوله تعالى: * (لولا أنزل إليه ملك) * فتذكر فما في العهد من قدم.
وقيل: المعنى لولا أنزل علينا الملائكة فيبلغون أمر الله تعالى ونهيه بدل محمد صلى الله عليه وسلم أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك من غير توسيط أحد. ورجح الأول بأن السياق لتكذيبه صلى الله عليه وسلم وحاشاه ثم حاشاه من الكذب والتعنت في طلب مصدق له عليه الصلاة والسلام لا لطلب من يفيدهم الأمر والنهي سواه صلى الله عليه وسلم، ولا نسلم أن * (لولا أنزل علينا الملائكة) * يتكرر عليه مع * (لولا أنزل إليه ملك) * (الفرقان: 7) السابق لظهور الفرق بين المطلوبين بين فيهما ولو فرض لزوم التكرار بينهما فهو لا يضر كما لا يخفى. وانتصر للأخير بأن المقام ليس إلا لذكر المكذبين وحكاية أباطيلهم الناشئة عن تكذيبهم. وقد عد فيما سبق بعضا منها متضمنا تعنتهم في طلب مصدق له صلى الله عليه وسلم فالأولى أن يكون ما هنا حكاية نوع آخر منها ليكون أبعد عن التكرار وأدل على العناد والاستكبار. ولعل قوله تعالى: * (لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) * أنسب بما ذكر. ومعنى * (استكبروا في أنفسهم) * أوقعوا الاستكبار في شأنها وعدوها كبيرة الشأن، وفيه تنزيل الفعل المتعدي منزلة اللازم كما في قوله: يجرح في عراقيبها نصلي والعتو تجاوز الحد في الظلم وهو المصدر الشائع لعتا، واللام واقعة في جواب القسم أي والله لقد استكبروا في شأن أنفسهم وتجاوزوا الحد في الظلم والطغيان تجاوزا كبيرا بالغا أقصى غايته حيث كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام ولم ينقادوا لبشر مثلهم يوحى إليه في أمرهم ونهيهم ولم يكترثوا بمعجزاته القاهرة وآياته الباهرة فطلبوا ما لا يكاد يرنوا إليه أحداق الأمم وراموا ما لا يحظى به إلا بعض أولي العزم من الرسل صلى الله عليه وسلم. وقد فسر * (استكبروا في أنفسهم) * بأضمروا الاستكبار وهو الكفر والعناد في قلوبهم وهو أظهر مما تقدم وما تقدم أبلغ وأوفق لما انتصر له. وكذا فسر العتو بالنبو عن الطاعة وما تقدم أبلغ وأوفق بذلك أيضا. وفي تعقيب حكاية باطل أولئك الكفرة بالجملة القسمية إيذان بغاية قبح ما هم عليه وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم وهو من الفحوى في الحقيقة ومثل ذلك شائع في الكلام تقول لمن جنى جناية: فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجبا منه؛ ويستعمل في سائر الألسنة وجعل الزمخشري من ذلك قول مهلهل:
وجارة جساس أبأنا بنابها * كليبا غلت ناب كليب بواؤها والطيبي قوله تعالى: * (كبرت كلمة) * (الكهف: 5)، وتعقب بأن ذلك ليس من هذا القبيل لأن الثلاثي المحول إلى فعل لفظا أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرح به النحاة؛ وذكر الإمام مختار القول الأول في تفسير * (لولا أنزل) * الخ أن هذه الجملة جواب لقولهم * (لولا أنزل) * الخ من عدة أوجه، أحدها: أن القررن لما ظهر كونه معجزا فقد ثبتت نبوته