تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٦٦
أنه ضيف فدعاه فأكل معه فلما قعدا تحدثا فسأله هارون من أنت؟ قال: أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما أن تعارفا قال له موسى. يا هارون انطلق معي إلى فرعون فإن الله تعالى قد أرسلنا إليه قال هارون: سمعا وطاعة فقامت أمهم فصاحت وقالت: أنشدكما بالله تعالى أن لا تذهبا إلى فرعون فيقتلكما فأبيا فانطلقا إليه ليلا الخبر والله تعالى أعلم بصحته.
* (ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون) * * (ولهم علي ذنب) * أي تبعة ذنب فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو سمي باسمه مجازا بعلاقة السببية، والمراد به قتل القبطي خباز فرعون بالوكزة التي وكزها وقصته مبسوطة في غير موضع، وتسميته ذنبا بحسب زعمهم بما ينبىء عنه قوله تعالى لهم: * (فأخاف) * إن آتيتهم وحدي * (أن يقتلون) * بسبب ذلك، ومراده عليه السلام بهذا استدفاع البلية خوف فوات مصلحة الرسالة وانتشار أمرها كما هو اللائق بمقام أولى العزم من الرسل عليهم السلام فإنهم يتوقون لذلك كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه * (والله يعصمك من الناس) * (المائدة 67)، ولعل الحق أن قصد حفظ النفس معه لا ينافي مقامهم.
وفي " الكشاف " أنه عليه السلام فرق أن يقتل قبل أداء الرسالة، وظاهره أنه وإن كان نبيا غير عالم بأنه يبقى حتى يؤدي الرسالة وإليه ذهب بعضهم لاحتمال أنه إنما أمر بذلك بشرط التمكين مع أن له تعالى نسخ ذلك قبله.
وقال الطيبي: الأقرب أن الأنبياء عليهم السلام يعلمون إذا حملهم الله تعالى على أداء الرسالة أنه سبحانه يمكنهم وأنهم سيبقون إلى ذلك الوقت وفيه منع ظاهر، وفي " الكشف " أنه على القولين يصح قول الزمخشري فرق الخ لأن ذلك كان قبل الاستنباء فإن النداء كان مقدمته ولا أظنك تقول به [بم وقوله تعالى:
* (قال كلا فاذهبا بااي‍اتنآ إنا معكم مستمعون) * * (قال كلا فاذهبا بآياتنا) * إجابة له عليه السلام إلى الطلبتين حيث وعده عز وجل دفع بلية الأعداء بردعه عن الخوف وضم إليه أخاه بقوله: * (اذهبا) * فكأنه قال له عز وجل: ارتدع عن خوف القتل فإنك بأعيننا فاذهب أنت وأخوك هارون الذي طلبته، وجاء النشر على عكس اللف لاختصاص ما قدم بموسى عليه السلام وظاهر السياق يقتضي عدم حضور هارون ففي الخطاب المذكور تغليب والفعل معطوف على الفعل الذي يدل عليه * (كلا) * كما أشرنا إليه، وقيل: الفاء فصيحة، والمراد بالآيات ما بعثهما الله تعالى به من المعجزات وفيها رمز إلى أنها تدفع ما يخافه، وقوله عز وجل: * (إنا معكم مستمعون) * تعليل للردع عن الخوف ومزيد تسلية لهما بضمان كمال الحفظ والنصرة كقوله تعالى: * (إنني معكما أسمع وأرى) * (طه: 46) والخطاب لموسى وهارون ومن يتبعهما من بني إسرائيل فيتضمن الكلام البشارة بالإشارة إلى علو أمرهما واتباع القوم لهما، وذهب سيبويه إلى أنه لهما عليهما السلام ولشرفهما وعظمتهما عند الله تعالى عوملا في الخطاب معاملة الجمع، واعترض بأنه يأباه ما بعده وما قبله من ضمير التثنية، وقيل: هو لهما عليهما السلام ولفرعون واعتبر لكون الموعود بمحضر منه وإن شئت ضم إلى ذلك قوم فرعون أيضا، واعترض بأن المعية العامة - أعني المعية العلمية - لا تختص بأحد لقوله تعالى: * (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) * (المجادلة: 7) والمعية الخاصة وهي معية الرأفة والنصرة لا تليق بالكافر ولو بطريق التغليب، وأجيب بأن خصوص المعية لا يلزم أن يكون بما ذكر بل بوجه آخر وهو تخليص أحد المتخاصمين من الآخر بنصرة المحق والانتقام من المبطل، وأيا ما كان فالظرف في موضع الخبر لأن و * (مستمعون) * خبر ثان أو الخبر * (مستمعون) * والظرف متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالا من ضميره وتقديمه للاهتمام أو
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»