تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٣٧
عز وجل لا خلاق له عنده سبحانه قاله الطبري، ففعيل بمعنى مفعول، والمعروف أن * (ظهيرا) * بمعنى معين لا بمعنى مظهور به.
* (ومآ أرسلن‍اك إلا مبشرا ونذيرا) * * (وما أرسلناك) * في حال من الأحوال * (إلا) * حال كونك * (مبشرا) * للمؤمنين * (ونذيرا) * أي ومنذرا مبالغا في الإنذار للكافرين، ولتخصيص الأنذار بهم وكون الكلام فيهم والاشعار بغاية إصرارهم على ما هم فيه من الضلال اقتصر على صيغة المبالغة فيه، وقيل: المبالغة باعتبار كثرة المنذرين فإن الكفرة في كل وقت أكثر من المؤمنين.
وبعضهم اعتبر كثرتهم بإدخال العصاة من المؤمنين فيهم أي ونذيرا للعاصين مؤمنين كانوا أو كافرين والمقام يقتضي التخصيص بالكافرين كما لا يخفى، والمراد ما أرسلناك إلا مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين فلا تحزن على عدم إيمانهم.
* (قل مآ أسألكم عليه من أجر إلا من شآء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * * (قل) * لهم دافعا عن نفسك تهمة الانتفاع بإيمانهم * (ما أسئلكم عليه) * أي على تبليغ الرسالة الذي ينبىء عنه الإرسال أو على المذكور من التبشير والإنذار، وقيل: على القرآن * (من أجر) * أي أجر ما من جهتكم * (إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه) * أي إلى رحمته ورضوانه * (سبيلا) * أي طريقا، والاستثناء عند الجمهور منقطع أي لكن ما شاء أن يتخذ إلى ربه سبحانه سبيلا أي بالانفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفقة في سبيل الله تعالى ليناسب الاستدراك فليفعل، وذهب البعض إلى أنه متصل، وفي الكلام مضاف مقدر أي الأفعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالايمان والطاعة حسبما أدعو إليهما، وهو مبني على الادعاء وتصوير ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الاتيان به، وهذا كالاستثناء في قوله: ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم * يعاب بنسيان الأحبة والوطن وفي ذلك قلع كلي لشائبة الطمع وإظهار لغاية الشفقة عليهم حيث جعل ذلك مع كونه نفعه عائدا إليهم عائدا إليه صلى الله عليه وسلم، وقيل: المعنى ما أسألكم عليه أجرا إلا أجر من آمن أي إلا الأجر الحاصل لي من إيمانه فإن الدال على الخير كفاعله وحينئذ لا يحتاج إلى الادعاء والتصوير السابق، والأولى ما فيه قلع شائبة الطمع بالكلية.
* (وتوكل على الحى الذى لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا) * * (وتوكل على الحي الذي لا يموت) * في الإغناء عن أجورهم والاستكفاء عن شرورهم، وكأن العدول عن وتوكل على الله إلى ما في النظم الجليل ليفيد بفحواه أو بترتب الحكم فيه على وصف مناسب عدم صحة التوكل على غير المتصف بما ذكر من الحياة والبقاء، أما عدم صحة التوكل على من لم يتصف بالحياة كالأصنام فظاهر وأما عدم صحته على من لم يتصف بالبقاء بأن كان ممن يموت فلأنه عاجز ضعيف فالمتوكل عليه أشبه شيء بضعيف عاد بقرملة، وقيل: لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل. والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عقبة بن أبي ثبيت قال: مكتوب في التوراة لا توكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام، ولكن توكل على الحي الذي لا يموت. وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق * (وسبح بحمده) * أي ونزهه سبحانه ملتبسا بالثناء عليه تعالى بصفات الكمال طالبا لمزيد الانعام بالشكر على سوابقه عز وجل فالباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال، وقدم التنزيه لأنه تخلية وهي أهم من التحلية، وفي الحديث: " من قال سبحان الله وبحمد غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر " * (وكفى به بذنوب عباده) * ما ظهر منها وما بطن كما يؤذن به الجمع
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»