تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٦
إشعارا بأن المعقول المفهوم من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه، وقال الفاضل الطيبي: لو قيل ألم تر إلى الظل كيف مده ربك كان الانتقال من الأثر إلى المؤثر والذي عليه التلاوة كان عكسه والمقام يقتضيه لأن الكلام في تقريع القوم وتجهيلهم في اتخاذهم الهوى إلها مع وضوح هذه الدلائل ولذلك جعل ما يدل على ذاته تعالى مقدما على أفعاله في سائر آياته * (وهو الذي جعل لكم الليل) * (الفرقان: 47) * (وهو الذي أرسل الرياح) * (الفرقان: 48) * (ولو شئنا لبعثنا) * (الفرقان: 51) وروى السلمي في الحقائق عن بعضهم مخاطبة العام * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) * (الغاشية: 17) ومخاطبة الخاص * (ألم تر إلى ربك) * (الفرقان: 45) انتهى، وفي الأرشاد لعل توجيه الرؤية إليه سبحانه مع أن المراد تقرير رؤيته عليه الصلاة والسلام لكيفية مد الظل للتنبيه على أن نظره عليه الصلاة والسلام غير مقصور على ما يطالعه من الآثار والصنائع بل مطمح أنظاره صلى الله عليه وسلم معرفة شؤون الصانع المجيد جل جلاله ولعل هذا هو سر ما روي عن السلمي، وقيل: إن التعبير المذكور للإشعار بأن المقصود العلم بالرب علما يشبه الرؤية، ونقل الطبرسي عن الزجاج أنه فسر الرؤية بالعلم. وذكر أن الكلام من باب القلب، والتقدير ألم تر إلى الظل كيف مده ربك ولا حاجة إلى ذلك، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لتشريفه صلى الله عليه وسلم وللإيذان بأن ما يعقبه من آثار ربوبيته تعالى ورحمته جل وعلا، * (وكيف) * منصوب بمد على الحالية وهي معلقة لتر إن لم تكن الجملة مستأنفة، وفي " البحر " أن الجملة الاستفهامية التي يتعلق عنها فعل القلب ليس باقية على حقيقة الاستفهام وفيه بحث، وذكر بعض الأفاضل أن كيف للاستفهام وقد تجرد عن الاستفهام وتكون بمعنى الحال نحو أنظر إلى كيف تصنع، وقد جوزه الدماميني في هذه الآية على أنه بدل اشتمال من المجرور وهو بعيد انتهى، ولا يخفى أنه يستغني على ذلك عن اعتبار المضاف لكنه لا يعادل البعد. والمراد بالظل على ما رواه جماعة عن ابن عباس. ومجاهد وقتادة. والحسن. وأيوب بن موسى. وإبراهيم التيمي والضحاك. وأبي مالك الغفاري. وأبي العالية. وسعيد بن جبير ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وذلك أطيب الأوقات فإن الظلمة الخالصة تنفر عنها الطباع وتسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجو ويبهر البصر، ومن هنا كان ظل الجنة مدودا كما قال سبحانه: * (وظل ممدود) * (الواقعة: 30).
وقيل: المراد به ما يكون من مقابلة كثيف كجبل أو بناء أو شجر للشمس عند ابتداء طلوعها، ومد الظل من باب ضيق فم القربة، فالمعنى ألم تنظر إلى صنع ربك كيف أنشأ ظلا أي مظلا كان عند ابتداء طلوع الشمس ممتدا إلى ما شاء الله عز وجل واختاره شيخ الإسلام. وتعقب ما تقدم بقوله: غير سديد إذ لا ريب في أن المراد تنبيه الناس على عظيم قدرة الله عز وجل وبالغ حكمته سبحانه فيما يشاهدونه فلا بد أن يراد بالظل ما يتعارفونه من حالة مخصوصة يشاهدونها في موضع يحول بينه وبين الشمس جسم مخالفة لما في جوانبه من مواقع ضح الشمس، وما ذكر وإن كان في الحقيقة ظلا للأفق الشرقي لكنهم لا يعدونه ظلا ولا يصفونه بأوصافه المعهودة اه‍ وفيه منع ظاهر، وهو أظهر على ما ذكره أبو حيان في الاعتراض على ذلك من أنه لا يسمى ظلا فقد قال الراغب وكفى به حجة في اللغة الظل ضد الضح وهو أعم من الفىء فإنه يقال: ظل الليل وظل الجنة ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفىء إلا لما زال عنه الشمس انتهى، وظاهر قوله تعالى: * (وظل ممدود) * في وصف الجنة يقتضي أنهم يعدون مثل ما ذكر ظلا. وقيل: هو ما كان من غروب
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»