ولها ثلثمائة وزير يدبرون ملكها ولها اثنا عشر ألف قائد كل قائد تحت يده اثنا عشر ألف مقاتل، وهذه الأخبار إلى الكذب أقرب منها إلى الصدق، ولعمري أن أرض اليمن لتكاد تضيق عن العدد الذي تضمنه الخبران الأخيران، وليت شعري ما مقدار عدد رعيتها الباقين الذين تحتاج إلى هذا العسكر والقواد والوزراء لسياستهم وضبط أمورهم وتنظيم أحوالهم * (والأمر إليك) * تسليم للأمر إليها بعد تقدم ما يدل على القوة والشجاعة حتى لا توهم أنه من العجز، والأمر بمعناه المعروف أو المعنى الشأن وهو مبتدأ * (وإليك) * متعلق بمحذوف وقع خبرا له ويقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق أي والأمر إليك موكول.
* (فانظري ماذا تأمرين) * من الصلح والمقاتلة نطعك ونتبع رأيك، وقيل: أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة وإليك الرأي والتدبير فانظري ماذا ترين نكن في الخدمة فلما أحست منهم الميل إلى الحرب والعدول عن السنن الصواب شرعت في تزييف مقالتهم المنبئة عن الغفلة عن شأن سليمان عليه السلام حسبما تعتقده [بم وذلك قوله تعالى:
* (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلهآ أذلة وكذالك يفعلون) * * (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية) * من القرى على منهاج المقاتلة والحرب * (أفسدوها) * بتخريب عماراتها وإتلاف ما فيها من الأموال.
* (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) * بالقتل والأسر والإجلاء وغير ذلك من فنون الإهانة والإذلال، ولم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل * (وكذلك يفعلون) * تصديق لها من جهته عز وجل على ما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أو هو من كلامها جاءت به تأكيدا لما وصفت من حالهم بطريق الاعتراض التذييلي وتقرير له بأن ذلك عادتهم المستمرة فالضمير للملوك، وقيل: هو لسليمان ومن معه فيكون تأسيسا لا تأكيدا. وتعقب بأن التأكيد لازم على ذلك أيضا للإندراج تحت الكلية وكأنها أرادت على ما قيل: إن سليمان ملك والملوك هذا شأنهم وغلبتنا عليه غير محققة ولا اعتماد على العدد والعدة والشجاعة والنجدة فربما يغلبنا فيكون ما يكون فالصلح خير، وقيل: إنها غلب على ظنها غلبته حيث رأت أنه سخر له الطير فجعل يرسله بأمر خاص إلى شخص خاص مغلق عليه الأبواب فأشارت لهم إلى أنه يغلب عليهم إذا قاتلوه فيفسد القرى ويذل الأعزة وأفسدت بذلك رأيهم وما أحسته منهم من الميل إلى مقاتلته عليه السلام وقررت رأيها بقولها:
* (وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) * * (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) * حتى أعمل بما يقتضيه الحال، وهذا ظاهر في أنها لم تثق بقبوله عليه السلام هديتها.
وروى أنها قالت لقومها: إن كان ملكا دنياويا أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك وإن كان نبيا لم يرضه المال وينبغي أن نتبعه على دينه، والهدية اسم لما يهدي كالعطية اسم لما يعطي، والتنوين فيها للتعظيم؛ و * (ناظرة) * عطف على * (مرسلة) * و * (بم) * متعلق بيرجع. ووقع للحوفي أنه متعلق بناظرة وهو وهم فاحش كما في " البحر "، والنظر معلق والجملة في موضع المفعول به له والجملة الاسمية الدالة على الثبات المصدرة بحرف التحقيق للإيذان بأنها مزمعة على رأيها لا يلويها عنه صارف ولا يثنيها عاطف.
واختلف في هديتها فعن ابن عباس أنها كانت مائة وصيف ومائة وصيفة، وقال وهب. وغيره: عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري لبس الغلمان الأقبية والمناطق وألبست الغلمان