تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠١
عن ذلك إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه عليه السلام فرح افتخار وامتنان واعتداد بها، وفائدة الإضراب التنبيه على أن إمداده عليه السلام بالمال منكر قبيح، وعد ذلك مع أنه لا قدر له عنده عليه السلام مما يتنافس فيه المتنافسون أقبح والتوبيخ به أدخل، قيل: وينبىء عن اعتداهم بتلك الهدية التنكير في قول بلقيس: * (وإني مرسلة إليهم بهدية) * (النمل: 35) بعد عدها إياه عليه السلام ملكا عظيما.
وكذا ما تقدم في خبر وهب. وغيره من حديث الحق والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك، وقيل: فرحهم بما أهدوه إليه عليه السلام من حيث توقعهم به ما هو أزيد منه فإن الهدايا للعظماء قد تفيد ما هو أزيد منها ما لا أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا، وقيل: الكلام كناية عن الرد، والمعنى أنتم من حقكم أن تفرحوا بأخذ الهدية لا أنا فخذوها وافرحوا وهو معنى لطيف إلا أن فيه خفاء.
* (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منهآ أذلة وهم ص‍اغرون) * * (ارجع) * أمر للرسول ولم يجمع الضمير كما جمعه فيما تقدم من قوله: * (أتمدونني) * الخ لاختصاص الرجوع به بخلاف الإمداد ونحوه، وقيل: هو أمر للهدهد محملا كتابا آخر وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن زهير بن زهير.
وتعقب بأنه ضعيف دراية ورواية. وقرأ عبد الله * (ارجعوا) * على أنه أمر للمرسلين والفعل هنا لازم أي انقلب وانصرف * (إليهم) * أي إلى بلقيس وقومها * (فلنأتينهم) * أي فوالله لنأتينهم * (بجنود لا قبل لهم بها) * أي لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وأصل القبل المقابلة فجعل مجازا أو كناية عن الطاقة والقدرة عليها. وقرأ عبد الله * (بهم) * * (ولنخرجنهم) * عطف على جواب القسم * (منها) * أي من سبأ * (أذلة) * أي حال كونهم أذلة بعدما كانوا فيه من العز والتمكين، وفي جمع القلة تأكيد لذلتهم، وقوله تعالى: * (وهم صاغرون) * حال أخرى، والصغار وإن كان بمعنى الذل إلا أن المراد به هنا وقوعهم في أسر واستعباد فيفيد الكلام أن إخراجهم بطريق الأسر لا بطريق الإجلاء وعدم وقوع جواب القسم لأنه كان معلقا بشرط قد حذف عند الحكاية ثقة بدلالة الحال عليه كأنه قيل: ارجع إليهم فليأتوني مسلمين وإلا فلنأتينهم الخ.
* (قال ياأيها الملا أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين) * * (قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) * في الكلام حذف أي فرجع الرسول إليها وأخبرها بما أقسم عليه سليمان فتجهزت للمسير إليه إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتاله، فروي أنها أمرت عند خروجها فجعل عرضها في آخر سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من قصورها وغلقت الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه وتوجهت إلى سليمان في أقيالها وأتباعهم وأرسلت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، قال عبد الله بن شداد: فلما كانت على فرسخ من سليمان قال: أيكم يأتيني بعرشها.
وعن ابن عباس كان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رهجا قريبا منه فقال: ما هذا؟ فقالوا: بلقيس فقال: أيكم الخ، ومعنى مسلمين على ما روي عنه طائعين، وقال بعضهم: هو بمعنى مؤمنين، واختلفوا في مقصوده عليه السلام من استدعائه عرشها، فعن ابن عباس. وابن زيد أنه عليه السلام استدعى ذلك ليريها القدرة التي هي من عند الله تعالى وليغرب عليها، ومن هنا قال في " الكشاف ": لعله
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»