تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٩٦
بقدره عليه الصلاة والسلام، وذكر بعض الأجلة أنها إذا كتبت في الكتب والرسائل فالأولى أن تكتب سطرا وحدها.
وفي أدب الكتاب للصولي أنهم يختارون أن يبدأ الكاتب بالبسملة من حاشية القرطاس ثم يكتب الدعاء مساويا لها ويستقبحون أن يخرج الكلام عن البسملة فاضلا بقليل ولا يكتبونها وسطاف ويكون الدعاء فاضلا اه‍.
وما ذكر من كتابة الدعاء بعدها لم يكن في الصدر الأول وإنما كان فيه كتابة من فلان إلى فلان.
وتقديم اسم الكاتب على اسم المكتوب له مشروع وإن كان الأول مفضولا والثاني فاضلا، ففي " البحر " عن أنس ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه إذا كتبوا إليه كتابا بدؤا بأنفسهم.
وقال أبو الليث في البستان له: ولو بدأ بالمكتوب إليه جاز لأن الأمة قد أجمعت عليه وفعلوه انتهى.
وظاهر الآية أن البسملة ليست من الخصوصيات، وقال بعضهم: إنها منها لكن باللفظ العربي والترتيب المخصوص، وما في كتاب سليمان عليه السلام لم تكن باللفظ العربي وترجمت لنا به وليس ذلك ببعيد.
وقرأ عبد الله * (وإنه من سليمان) * بزيادة واو، وخرجه أبو حيان على أنها عاطفة للجملة بعدها على جملة * (إني ألقى) *، وقيل: هي واو الحال والجملة حالية، وقرأ عكرمة. وابن أبي عبلة * (أنه من سليمان وأنه) * بفتح همزة أن في الموضعين، وخرج على الإبدال من * (كتاب) * أي ألقى إلى أنه الخ أو على أن يكون التقدير لأنه الخ كأنها عللت كرم الكتاب بكونه من سليمان وبكونه مصدرا باسم الله عز وجل، وقرأ أبي * (أن من سليمان وأن بسم الله) * بفتح الهمزة وسكون النون، وخرج على أن أن هي المفسرة لأنه قد تقدمت جملة فيها معنى القول أو على أنها المخففة من الثقيلة وحذفت الهاء. و * (أن) * في قوله تعالى:
* (ألا تعلوا على وأتونى مسلمين) * * (ألا تعلوا علي) * يحتمل أن تكون مفسرة ولا ناهية. ويحتمل أن تكون مصدرية ناصبة للفعل ولا نافية، وقيل: يجوز كونها ناهية أيضا، ومحل المصدر الرفع على أنه بدل من * (كتاب) * أو خبر لمبتدأ مضمر يليق بالمقام أي مضمونه أن لا تعلوا على أي أن لا تتكبروا علي كما يفعل جبابرة الملوك، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية وهب بن منبه. والأشهب العقيلي * (أن لا تغلوا) * بالغين المعجمة من الغلو وهي مجاوزة الحد أي أن لا تتجاوزا حدكم * (وأتوني مسلمين) * عطف على ما قبله فإن كانت فيه لا ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر وإن كانت نافية وأن مصدرية فعطفه عليه من عطف الإنشاء على الأخبار والكلام فيه مشهور، والأكثرون على جوازه في مثل هذا. والمراد بالإسلام الإيمان أي وأتوني مؤمنين، وقيل: المراد به الانقياد أي ائتوني منقادين مستسلمين. والدعوة على الأول دعوة النبوة وعلى الثاني دعوة الملك واللائق بشأنه عليه السلام هو الأول.
وفي بعض الآثار كما ستعلم إن شاء الله تعالى ما يؤيده. ولا يرد أنه يلزم عليه أن يكون الأمر بالإيمان قبل إقامة الحجة على رسالته فيكون استدعاء للتقليد لأن الدعوة المذكورة هي الدعوة الأولى التي لا تستدعي إظهار المعجزة وإقامة الحجة، وعادة الأنبياء عليهم السلام الدعوة إلى الإيمان أولا فإذا عورضوا أقاموا الدليل وأظهروا المعجزة؛ وفيما نحن فيه لم يصدر معارضة، وقيل: إن الدعوة ما كانت إلا مقرونة بإقامة الحجة لأن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة التي ذكرت فيما مر أولا معجزة باهرة دالة على رسالته عليه السلام دلالة بينة. وتعقب بأن كون الإلقاء المذكور معجزة غير واضح خصوصا وهي لم تقارن التحدي، ورجح
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»