تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٩٥
مرسله وعلو منزلته وعلمت ذلك بالسماع أو بكون كتابه مختوما باسمه على عادة الملوك والعظماء أو بكون رسوله به الطير أو لبداءته باسم الله عز وجل أو لغرابة شأنه ووصوله إليها على منهاج غير معتاد، وقيل: أن ذلك لظنها إياه بسبب أن الملقى له طير أنه كتاب سماوي وليس بشيء. وبناء * (ألقى) * للمفعول لعدم الاهتمام بالفاعل، وقيل: لجهلها به أو لكونه حقيرا. وقال الشيخ الأكبر قدس سره في الفصوص: من حكمة بلقيس كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب وما ذاك إلا لتعلم أصحابها أن لها اتصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها. وفي ذلك سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها وبهذا استحقت التقديم عليهم انتهى. وتأكيد الجملة للاعتناء بشأن الحكم، وأما التأكيد في قوله تعالى:
* (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحم‍ان الرحيم) * * (إنه من سليم‍ان وإنه بسم الله الرحم‍ان الرحيم) * فلذلك أيضا أو لوقوعه في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ممن هذا الكتاب وماذا مضمونه؟ فقيل: إنه من سليمان الخ، ويحسن التأكيد بأن في جواب السؤال ولا أرى فرقا في ذلك بين المحقق والمقدر، ويعلم مما ذكر أن ضمير * (إنه) * الأول للكتاب وضمير * (إنه) * الثاني للمضمون وإن لم يذكر، وليس في الآية ما يدل على أنه عليه السلام قدم اسمه على اسم الله عز وجل، وعلمها بأنه من سليمان يجوز أن يكون لكتابة اسمه بعد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان أنه قال: كتب سليمان بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن داود إلى بلقيس ابنة ذي شرح وقومها - أن لا تعلوا - الخ، وجوز أن يكون لكتابته في ظاهر الكتاب وكان باطن الكتاب * (بسم الله) * الخ، وقيل: ضمير * (إنه) * الأول للعنوان وإنه عليه السلام عنون الكتاب باسمه مقدما له فكتب من سليمان * (بسم الله) * الخ واستظهر هذا أبو حيان ثم قال: وقدم عليه السلام اسمه لاحتمال أن يبدر منها ما لا يليق إذ كانت كافرة فيكون اسمه وقاية لاسم الله عز وجل وهو كما ترى، وكتابة البسملة في أوائل الكتب مما جرت به سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية بلا خلاف، وأما قبله فقد قيل إن كتبه عليه الصلاة والسلام لم تفتتح بها، فقد أخرج عبد الرزاق. وابن المنذر. وغيرهما عن الشعبي قال: كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبي صلى الله عليه وسلم أول ما كتب باسم اللهم حتى نزلت * (بسم الله مجراها ومرساها) * (هود: 41) فكتب بسم الله ثم نزلت * (ادعو الله أو ادعوا الرحمن) * (الإسراء: 110) فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت آية النمل * (إنه من سليمان) * الآية فكتب بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت * (إنه من سليمان) * الآية كتب بسم الله الخ، وروي نحو ذلك عن ميمون بن مهران. وقتادة، وهذا عندي مما لا يكاد يتسنى مع القول بنزول البسملة قبل نزول هذه الآية وهذا القول مما لا ينبغي أن يذهب إلى خلافه، فقد قال الجلال السيوطي في إتقانه اختلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال، أحدها: وهو الصحيح * (اقرأ باسمك ربك) * واحتج له بعده أخبار منها خبر الشيخين في بدء الوحي وهو مشهور، وثانيها: * (يا أيها المدثر) * (المدثر: 1) وثالثها: سورة الفاتحة، ورابعها: البسملة ثم قال وعندي أن هذا لا يعد قولا برأسه فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق اه‍.
وهو يقوي ما قلناه فإن البسملة إذا كانت أول آية نزلت كانت هي المفتتح لكتاب الله تعالى وإذا كانت كذلك كان اللائق بشأنه صلى الله عليه وسلم أن يفتتح بها كتبه كما افتتح الله تعالى بها كتابه وجعلها أول المنزل منه.
والقول بأنها نزلت قبل إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم مشروعيتها في أوائل الكتب والرسائل حتى نزلت هذه الآية المتضمنة لكتابة سليمان عليه السلام إياها في كتابه إلى أهل سبأ مما لا يقدم عليه إلا جاهل
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»