تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠٣
به لتحمل الأجرام العظيمة ولذا اختير قوي على قادر هنا، وظاهر كلام بعضهم أن في الكلام حذفا فمنهم من قال: أي على حمله ومنهمق ال: أي على الإتيان به، ورجح الثاني بالتبادر نظرا إلى أول الكلام. والأول بأنه أنسب بقوله لقوي * (أمين) * لا أقتطع منه شيئا ولا أبدله.
* (قال الذى عنده علم من الكت‍ابأنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رءاه مستقرا عنده قال ه‍اذا من فضل ربى ليبلونىأءشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم) * * (قال الذي عنده علم من الكتاب) * فصله عما قبله للإيذان بما بين القائلين ومقالتيهما وكيفيتي قدرتيهما على الإتيان به من كمال التباين أو لإسقاط الأول عن درجة الاعتبار. واختلف في تعيين هذا القائل فالجمهور ومنهم ابن عباس. ويزيد بن رومان. والحسن على أنه آصف بن برخيا بن شمعيا بن منكيل، واسم أمه باطورا من بني إسرائيل كان وزير سليمان على المشهور، وفي " مجمع البيان " أنه وزيره وابن أخته وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم، وقيل كان كاتبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه رجل اسمه اسطوم، وقيل: اسطورس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد أنه رجل يقال له ذو النور. وأخرج هو أيضا عن ابن لهيعة أنه الخضر عليه السلام، وعن قتادة أن اسمه مليخا؛ وقيل: ملخ. وقيل: تمليخا. وقيل: هود. وقالت جماعة هو ضب بن أد جد بني ضبة من العرب وكان فاضلا يخدم سليمان كان على قطعة من خيله، وقال النخعي هو جبريل عليه السلام، وقيل: هو ملك آخر أيد الله تعالى به سليمان عليه السلام، وقال الجبائي: هو سليمان نفسه عليه السلام.
ووجه الفصل عليه واضح فإن الجملة حينئذ مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: فما قال سليمان عليه السلام حين قال العفريت ذلك؟ فقيل: قال الخ ويكون التعبير عنه بما في " النظم الكريم " للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه، ويكون الخطاب في قوله: * (أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) * للعفريت وإنما لم يأت به أولا بل استفهم القوم بقوله: * (أيكم يأتيني بعرشها) * (النمل: 38) ثم قال ما قال وأتى به قصدا لأن يريهم أنه يتأتى له ما لا يتهيأ لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم. وتخصيص الخطاب بالعفريت لأنه الذي تصدى لدعوى القدرة على الإتيان به من بينهم، وجعله لكل أحد كما في قوله تعالى: * (ذلك أدنى أن لا تعولوا) * (النساء: 3) غير ظاهر بالنسبة إلى ما ذكر.
وآثر هذا القول الإمام وقال إنه أقرب لوجوه. الأول: إن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان وقد تقدم في هذ السورة ما يستأنس به لذلك فوجب إرادته وصرف اللفظ إليه وآصف وإن شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهو أعلم بالكتاب من أمته. الثاني: إن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لأحد من أمته دونه لاقتضى تفضيل ذلك عليه عليه السلام وأنه غير جائز. الثالث: أنه لو افتقر في إحضاره إلى أحد من أمته لاقتضى قصور حاله في أعين الناس.
الرابع: أن ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد * (هذا من فضل ربي) * الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام اه‍. وللمناقشة فيه مجال. واعترض على هذا القول بعضهم بأن الخطاب في * (آتيك) * يأباه فإن حق الكلام عليه أن يقال: أنا آتي به قبل أن يرتد إلى الشخص طرفه مثلا، وقد علمت دفعه. وبأن المناسب أن يقال فيما بعد - فلما أتى به - دون * (فلما رآه) * الخ. وأجيب عن هذا بأن قوله ذاك للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوة له فيه، ولعل الأظهر أن القائل أحد أتباعه. ولا يلزم من ذلك أنه عليه السلام لم يكن قادرا على الإتيان به
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»