تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٧١
معاشر الأنبياء لا نورث " وقد ذكره الصديق. والفاروق رضي الله تعالى عنهما بحضرة جمع من الصحابة وهم الذين لا يخافون في الله تعالى لومة لائم ولم ينكره أحد منهم عليهما.
وأخرج أبو داود. والترمذي عن أبي الدرداء قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " وروى محمد بن يعقوب الرازي في " الكافي " عن أبي البحتري عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال ذلك أيضا، ومما يدل على أن هذه الوراثة ليست وراثة المال ما روى الكليني عن أبي عبد الله أن سليمان ورث داود وأن محمدا ورث سليمان صلى الله عليه وسلم، وأيضا وراثة المال لا تختص بسليمان عليه السلام فإنه كان لداود عدة أولاد غيره كما رواه الكليني عنه أيضا، وذكر غيره أنه عليه السلام توفي عن تسعة عشر ابنا فالإخبار بها عن سليمان ليس فيه كثير نفع وإن كان المراد الأخبار بما يلزمها من بقاء سليمان بعد داود عليهما السلام فما الداعي للعدول عما يفيده من غير خفاء مثل وقال سليمان بعد موت أبيه داود " يا أيها الناس " الخ.
وأيضا السياق والسباق يأبيان أن يكون المراد وراثة المال كما لا يخفى على منصف، والظاهر أن الرواية عن الحسن غير ثابتة وكذا الرواية عن أئمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم، فقد سمعت في رواية الكليني عن الصادق رضي الله تعالى عنه ما ينافي ثبوتها، ووراثة غير المال شائعة في الكتاب الكريم فقد قال عز من قائل: * (ثم أورثنا الكتاب) * (فاطر: 32)، وقال سبحانه: * (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) * (الأعراف: 169) ولا يضر تفاوت القرينة فافهم.
وكان عمره يوم توفى داود عليهما السلام اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة وكان داود قد أوصى له بالملك فلما توفي ملك وعمره ما ذكر، وقيل: إن داود عليه السلام ولاه على بني إسرائيل في حياته حكاه في " البحر ".
* (وقال) * تشهيرا لنعمة الله تعالى وتعظيما لقدرها ودعاء للناس إلى التصديق بنبوته بذكر المعجزات الباهرات التي أوتيها لا افتخارا * (يا أيها الناس) * الظاهر عمومه جميع الناس الذين يمكن عادة مخاطبتهم.
وقال بعض الأجلة: المراد به رؤساء مملكته وعظماء دولته من الثقلين وغيرهم، والتعبير عنهم بما ذكر للتغليب، وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي أنه قال: الناس عندنا أهل العلم * (علمنا منطق الطير) * أي نطقه وهو في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا أو مركبا، وقد يطلق على كل ما يصوت به على سبيل الاستعارة المصرحة، ويجوز أن يعتبر تشبيه المصوت بالإنسان ويكون هناك استعارة بالكناية وإثبات النطق تخييلا، وقيل يجوز أيضا أن يراد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل وليس بذاك.
ويحتمل الأوجه الثلاثة قوله:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال وقد يطلق على ذلك للمشاكلة كما في قولهم: الناطق والصامت للحيوان والجماد، والذي علمه عليه السلام من منطق الطير هو على ما قيل ما يفهم بعضه من بعض من معانيه وأغراضه، ويحكى أنه عليه السلام مر على بلبل في شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله تعالى ونبيه أعلم قال: يقول أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال: يقول استغفروا الله تعالى يا مذنبون، وصاح طيطوى فقال: يقول كل حي ميت وكل جديد
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»