تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٩٩
وتقبل روايته. وأورد على العموم أنهم اكتفوا في النكاح بشهادة المحدودين. وأجيب بأن الشهادة هناك بمعنى الحضور وإنما يكتفي به في انعقاد النكاح وقد صرحوا بأن للنكاح حكمين حكم الانعقاد وحكم الإظهار ولا يقبل في الثاني إلا شهادة من تقبل شهادته في سائر الأحكام كما في " شرح الطحاوي ". والحاصل أن الآية تدل على وجوب رد شهادة المحدود على الحكام بمعنى أنه إذا شهد عندهم على حكم وجب عليهم رد شهادته ويندرج في ذلك شهادته في النكاح لأنه يشهد عندهم إذا وقع التجاحد فلا يعكر على العموم اعتبار حضوره مجلس النكاح في صحة انعقاده إذ ذلك أمر وراء ما نحن فيه كذا قيل فليتدبر. وذهب الشافعي إلى قبول شهادة المحدود إذا تاب، والمراد بتوبته أن يكذب نفسه في قذفه، ومبنى الخلاف على المشهور الخلاف فيما إذا جاء استثناء بعد جمل مقترنة بالواو هل ينصرف للجملة الأخيرة أو إلى الكل أو هناك تفصيل فالذي ذهب إليه أصحاب الشافعي انصرافه إلى الكل، والذي ذهب إليه أصحاب أبي حنيفة انصرافه للجملة الأخيرة، وقال القاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري. وجماعة من المعتزلة إن كان الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى ولا يضمر فيها شيء بمافي الأولى فالاستثناء مختص بالجملة الأخيرة لأن الظاهر أنه لم ينتقل عن الجملة الأولى مع استقلالها بنفسها إلى غيرها إلا وقد تم مقصوده منها وذلك على أربعة أقسام، الأول: أن تختلف الجملتان نوعا كما لو قال: أكرم بني تميم والنحاة البصريون إلا البغاددة إذ الجملة الأولى أمر والثانية خبر، الثاني: أن يتحدا نوعا ويختلفا اسما وحكما كما لو قال: أكرم بني تميم واضرب ربيعة إلا الطوال إذ هما أمران، الثالث: أن يتحدا نوعا ويشتركا حكما لا اسما كما لو قال: سلم على بني تميم وسلم على بني ربيعة إلا الطوال، الرابع: أن يتحدا نوعا ويشتركا اسما لا حكما ولا يشترك الحكمان في غرض من الأغراض كما لو قال سلم على بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال، وقوة اقتضاء اختصاص الاستثناء بالجملة الأخيرة في هذه الأقسام على هذا الترتيب وإن لم يكن الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى بأن كان بين الجملتين نوع تعلق فالاستثناء ينصرف إلى الكل وذلك على أربعة أقسام أيضا، الأول: أن يتحد الجملتان نوعا واسما لا حكما غير أن الحكمين قد اشتركا في غرض واحد كما لو قال: أكرم بني تميم وسلم على بني تميم إلا الطوال لاشتراكهما في غرض الإعظام، الثاني " أن يتحد الجملتان نوعا ويختلفا حكما واسم الأولى مضمر في الثانية كما لو قال: أكرم بني تميم واستأجرهم إلا الطوال، الثالث: بعكس ما قبله كما لو قال: أكرم بني تميم وربيعة إلا الطوال، الرابع: أن يختلف نوع الجمل إلا أنه قد أضمر في الأخيرة ما تقدم أو كان غرض الأحكام المختلفة فيها واحدا وجعل آية الرمي التي نحن فيها من ذلك حيث قيل: إن جملة مختلفة النوع من حيث أن قوله تعالى: * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * أمر وقوله سبحانه: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * نهى وقوله جل وعلا * (وأولئك هم الفاسقون) * (النور: 4) خبر وهي داخلة أيضا تحت القسم الأول من هذه الأقسام الأربعة لاشتراك أحكام هذه الجمل في غرض الانتقام والإهانة وداخلة أيضا تحت القسم الثاني من جهة إضمار الاسم المتقدم فيها، وذهب الشريف المرتضى من الشيعة إلى القول بالاشتراك، وذهب القاضي أبو بكر. والغزالي. وجماعة إلى الوقف، وقال الآمدي: المختار أنه مهما ظهر كون الواو للابتداء فالاستثناء يكون مختصا بالجملة الأخيرة كما في القسم الأول من الأقسام الثمانية لعدم تعلق إحدى الجملتين بالأخرى وهو ظاهر وحيث أمكن أن تكون الواو للعطف أو الابتداء كما في باقي الأقسام السبعة فالواجب الوقف، وذكر حجج المذاهب بما لها وعليها في الأحكام، وفي التلويح وغيره أنه لا خلاف في جواز رجوع الاستثناء إلى كل
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»