تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٩٧
لمباشرته سبب عقوبة أبيه أي وكذا عدالة الأب وهذا ظاهر، وقوله تعالى: * (وأولئك هم الف‍اسقون) * كلام مستأنف مبين لسوء حالهم في حكم الله عز وجل، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الشر والفساد أي أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق والخروج عن الطاعة والتجاوز عن الحدود الكاملون فيه كأنهم هم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم لا غيرهم من الفسقة، ويعلم مما أشرنا إليه أنهم فسقة عند الشرع الحاكم بالظاهر لا أنهم كذلك في نفس الأمر وعند الله عز وجل العالم بالسرائر لاحتمال صدقهم مع عجزهم عن الاتيان بالشهداء كما لا يخفى، وصرح بهذا بعض المفسرين.
وجوز أن يكون المراد الاخبار عن فسقهم عند الله تعالى وفي علمه، ووجه إذا كانوا كاذبين ظاهر، وأما وجهه إذا كانوا صادقين فهو أنهم هتكوا ستر المؤمنين وأوقعوا السامع في الشك من غير مصلحة دينية بذلك والعرض مما أمر الله تعالى بصونه إذا لم يتعلق بهتكه مصلحة فكانوا فسقة غير ممتثلين أمره عز وجل، ولا يخفى حسن حمل الآية على هذا المعنى وهو أوفق لما ذكره الحصكفي في " شرح الملتقى " نقلا عن النجم الغزي من أن الرمي بالزنا من الكبائر وإن كان الرامي صادقا ولا شهود له عليه ولو من الوالد لولده وإن لم يحد به بل يعزر ولو غير محصن؛ وشرط الفقهاء الإحصان إنما هو لوجوب الحد لا لكونه كبيرة، وقد روى الطبراني عن واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار " وهذه مسألة مختلف فيها، ففي " شرح جمع الجوامع " للعلامة المحلى قال الحليمي. قذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر لأن الإيذاء في قذفهن دونه في الحرة الكبيرة المستترة، وقال ابن عبد السلام: قذف المحصن في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله تعالى والحفظة ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة أما قذف الرجل زوجته إذا أتت بولد يعلم أنه ليس منه فمباح، وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب انتهى، وظاهر ما نقل عن ابن عبد السلام نفى إيجاد الحد لا نفي كونه كبيرة أيضا لشيوع توجه النفي إلى القيد في مثله، وإن قلنا: إنه هنا لنفي القيد والمقيد فهو ظاهر كما قال الزركشي فيماإذا كان صادقا لا فيما إذا كان كاذبا لجرأته على الله تعالى جل شأنه فهو كبيرة وإن كان في الخلوة، ولعل ما ذكره من وجوب جرح الشاهد بالزنا إذا علم مقيد بما إذا قدر على الاتيان بالشهود، والأولى عندي فيما إذا كان الضرر في قبول شهادته عليه يسيرا عدم الجرح بذلك وإن قدر على إثباته، وما ذكر في جرح الراوي لا يتم فيما أرى على رأي من يعتبر الجرح المجرد عن بيان السبب، ولا يبعد القول بأن الرمي منه ما هو كفر كرمي عائشة رضي الله تعالى عنها سواء كان جهرا أو سرا وسواء كان بخصوص الذي برأه الله تعالى منه أو بغيره وكذا رمي سائر أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وكذا القول في مريم عليها السلام، ومنه ما هو كبيرة دون الكفر ومثاله ظاهر، ومنه ما هو صغيرة كرمي المملوكة والصغيرة، ومنه ما هو واجب كرمي شاهد على مسلم معصوم الدم بما يكون سببا لقتله لو قبلت شهادته وعلم كونها زورا وتعين ذلك لرد شهادته وصيانة ذلك المسلم من القتل ولو كان رميه مع إقامة البينة عليه بالزنا موجبا لرجمه، ومنه ما هو سنة كرمي ترتبت عليه مصلحة دون مصلحة الرمي الواجب [بم وقوله تعالى:
* (إلا الذين تابوا من بعد ذالك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) *.
* (إلا الذين تابوا) * أي رجعوا عما قالوا وندموا
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»