تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٨٨
ثم نسخ، وفي هذه السورة آيات نصوا على أن نزولها كان قبل ذلك وهي قوله تعالى: * (إن الذين جاؤوا بالافك) * (النور: 11) الخ قال: إنها نزلت عام غزوة بني المصطلق وكانت سنة خمسة لليلتين خلتا من شعبان فلعل هذه الآية من هذا القبيل بل في أثر رواه ابن أبي شيبة عن ابن جبير وذكره العراقي. وابن حجر ما ظاهره أن هذه الآية مكية فإذا انضم هذا إلى ما روي عن ابن المسيب وقال به السافعي يكون فيها نسخان لكن لم أر من نبه على ذلك، وإذا صح كان هذا الوجه أقل من الأوجه السابقة مؤنة وكأني بك لا تفضل عليه غيره.
وذهب قوم إلى أن حرمة التزوج بالزانية أو من الزاني إن لم تظهر التوبة من الزنا باقية إلى الآن، وعندهم أنه إن زنى أحد الزوجين يفسد النكاح بينهما، وقال بعضهم: لا ينفسخ إلا أن الرجل يؤمر بطلاق زوجته إذا زنت فإن أمسكها أثم، وعند بعض من العلماء أن ازلنا عيب من العيوب التي يثبت بها الخبار فلو تزوجت برجل فبان لها أنه ممن يعرف بالزنا ثبت لها الخيار في البقاء معه أو فراقه، وعن الحسن أن حرمة نكاح الزاني للعفيفة إنما هي فيما إذا كان مجلودا وكذا حرمة نكاح العفيف للزانية إنما هي إذا كانت مجلودة فالمجلود عنده لا يتزوج إلا مجلودة والمجلودة لا يتزوجها إلا مجلود وهو موافق لما في بعض الأخبار.
فقد أخرج أبو داود. وابن املنذر. وجماعة عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " وأخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر " أن رجلا تزوج امرأة ثم إنه زنى فأقيم عليه الحد فجاؤوا به إلى علي كرم الله تعالى وجهه ففرق بينه وبين امرأته وقال له: لا تتزوج إلا مجلودة مثلك، وعن ابن مسعود والبراء بن عازب أن من زنى يامرأة لا يجوز له أن يتزوجها أصلا، وأبو بكر الصديق. وابن عمر. وابن عباس وجابر. وجماعة من التابعين والأئمة على خلافه.
واستدل على ذلك بما أخرجه الطبراني. والدارقطني من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة وأراد أن يتزوجها فقال: الحرام لا يحرم الحلال " هذا ومن أضعف ما قيل في الآية: إنه يجوز أن يكون معناها ما في الحديث من أن من زنى تزني امرأته ومن زنت يزنى زوجها فتأمل جميع ذاك والله عز وجل يتولى هداك.
وقرى أبو البرهسم * (وحرم) * بالبناء للفاعل وهو الله تعالى، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (وحرم) * بفتح الحرم وضم الراء.
* (والذين يرمون المحصن‍ات ثم لم يأتوا بأربعة شهدآء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأول‍ائك هم الف‍اسقون) *.
* (والذين يرمون المحصنات) * شروع في بيان حكم من نسب الزنا إلى غيره بعد بيان حكم من فعله، والموصول على ما اختاره العلامة الثاني في التلويح منصوب بفعل محذوف يدل فعل الأمر بعد عليه أي اجلدوا الذين، ويجوز أن يكون في محل رفع على الابتداء ولا يخفى عليك خبره. والآية نزلت في امرأة عويمر كما في " صحيح البخاري "، وعن سعيد بن جبير أنها نزلت بسبب ثصة الافك والرمي مجاز عن الشتم. وجرح اللسان كجرج اليد والمراد الرمي بالزنا كما يدل عليه إيراد ذلك عقيب الزواني مع جعل المفعول * (المحصنات) * الدال على النزاهة عن الزنا وهذا كالصريح في ذلك، وربما يدعى أن اشتراط أربعة من الشهود يشهدون بتحقق ما رمي به كما يدل عليه قوله تعالى: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * قرينة على المراد بناء على العلم بأنه لا شيء يتوقف ثبوته بالشهادة على شهادة أربعة إلا الزنا، والظاهر أن المراد النساء المحصنات وعليه يكون ثبوت وجوب جلد رامي المحصن بدلالة النص للقطع بإلغاء الفارق وهو صفة
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»