مواضع ليس هذا الموضع منها، ويشترط اجتماع شهود الزنا في مجلس الحاكم بأن يأتوا إليه مجتمعين أو فرادى ويجتمعوا فيه ويقوم منهم إلى الحاكم واحد بعد واحد فإن لم يأتوا كذلك بأن أتوا متفرقين أو اجتمعوا خارج مجلس الحاكم ودخلوا واحدا بعد واحد لم تعتبر شهادتهم وحدوا حد القذف.
والظاهر أنه يجوز أن يكون أحد الشهود زوج المقذوفة لاندراجه في * (أربعة شهداء) * وبه قال أبو حنيفة. وأصحابه وروي ذلك عن الحسن. والشعبي وقال مالك. والشافعي: يلاعن الزوج وتحد الثلاثة، وروي مثله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وظاهر الآية أنه إذا لم يأت القاذف بتمام العدة بأن أتى باثنين أو ثلاثة منها جلد وحده ولا يجلد الشاهد إلا أن المأثور جلده، فقد روي أنه شهد على المغيرة بالزنا شبل بن معبد البجلي. وأبو بكرة. وأخوه نافع وتوقف زياد فحد الثلاثة عمر رضي الله تعالى عنه بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكروا عليه وهم هم. وفي كلمة * (ثم) * إشعار بجواز تأخير الإتيان بالشهود كما أن في كلمة * (لم) * إشارة إلى تحقق العجز عن الإتيان بهم وتقرره.
وفي غير كتاب من كتب الفروع لأصحابنا أن القاذف إذا عجز عن الشهود للحال واستأجل لإحضارهم زاعما أنهم في المصر يؤجل مقدار قيام الحاكم من مجلسه فإن عجز حد ولا يكفل ليذهب لطلبهم بل يحبس ويقال: ابعث إليهم من يحضرهم عند الإمام. وأبي يوسف في أحد قوليه لأن سبب وجوب الحد ظهر عند الحاكم فلا يكون له أن يؤخر الحد لتضرر المقذوف بتأخير دفع العار عنه والتأخير مقدار قيامه من المجلس قليل لا يتضرر به، وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد يكفل أي بالنفس إلى ثلاثة أيام.
وكان أبو بكر الرازي يقول: مراد أبي حنيفة أن الحاكم لا يجبره على ءعطاء الكفيل فإما إذا سمحت نفسه به فلا بأس لأن تسليم نفسه مستحق عليه والكفيل بالنفس إنما يطالب بهذا القدر، وذكر ابن رستم عن محمد أنه إذا لم يكن له من يأتي بالشهود يبعث معه الحاكم واحدا ليرده عليه، والأمر في قوله سبحانه: * (فاجلدوهم) * لولاة الأمر ونوابهم.
والظاهر وجوب الجلد وإن لم يطالب المقذوف وبه قال ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة. وأصحابه. والأوزاعي. والشافعي: لا يحد إلا بمطالبته. وقال مالك: كذلك إلا أن يكون الإمام سمعه يقذفه فيحده إن كان مع الإمام شهود عدول وإن لم يطالب المقذوف كذا قال أبو حيان. وللمقذوف المطالبة وإن كان آمرا للقاذف بقذفه لأن بالأمر لا يسقط الحد كما نقل الحصكفي ذلك عن شرح التكملة ثم لا يخفى أن القول بأن القاذف لا يحد إلا بمطالبة المقذوف ظاهر في أن الحد حق العبد ويشهد لذلك أحكام كثيرة ذكرها أصحابنا. منها أنه لا تبطل الشهادة على ما يوجبه بالتقادم. ومنها أنه لا يدفعه الرجوع عن الإقرار بموجبه. ومنها أنه يقام على المستأمن وإنما يؤاخذ المستأمن بما هو من حقوق العباد. ومنها أنه يقدم استيفاؤه على استيفاء حد الزنا وحد السرقة وشرب الخمر. ومنها أنه يقيمه القاضي بعلمه إذا علمه في أيام قضائه ولذا لو قذف بحضرته يحده.
وعندنا أحكام تشهد بأنه حق الله عز وجل. منها أن استيفاءه إلى الإمام وهو إنما يتعين نائبا في استيفاء حق الله تعالى وأما حق العبد فاستيفاؤه إليه. ومنها أنه لا يحلف القاذف إذا أنكر سببه وهو القذف ولم تقم عليه بينة. ومنها أنه لا ينقلب مالا عند السقوط. ومنها أنه يتنصف بالرق كسائر العقوبات الواجبة