تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٨٢
والقول بأن الخبر المذكور قد تلقته الأمة بالقبول لا يجدي نفعا لأنه إن أريد بتلقيه بالقبول إجماعهم على العمل به فممنوع، فقد صح عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه لا يقول بتغريبهما وقال حسبهما من الفتنة أن ينفيا، وفي رواية كفى بالنفي فتنة، وإن أريد إجماعهم على صحته بمعنى صحه سنده فكثير من أخبار الآحاد كذلك ولم تخرج بذلك عن كونها آحادا، على أنه ليس فيه أكثر من كون التغريب واجبا ولا يدل على أنه واجب بطريق الحد بل ما في صحيح البخاري من قول أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد ظاهر في أن النفي ليس من الحد لعطفه عليه، وكونه استعمل الحد في جزء مسماه وعطف على الجزء الآخر بعيد فجاز كونه تعزيرا لمصلحة، وقد يغرب الإمام لمصلحة يراها في غير ما ذكر كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غرب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه لجماله افتتن بعض النساء به فسمع قائلة يقال: إنها أم الحجاج الثقفي ولذا قال له عبد الملك يوما با ابن المتمنية تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أو هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى فتى ماجد الاعراق مقتبل * سهل المحيا كريم غير ملجاج / والقول بأنه لا يجتمع التعزيز مع الحد لا يخفى ما فيه. وادعى الفقيه المرغيناني أن الخبر المذكور منسوخ فإن شطره الثاني الدال على الجمع بين الجلد والرجم منسوخ كما علمت؛ وفيه إنه لا لزوم فيجوز أن تروى جمل نسخ بعضها وبعضها لم ينسخ، نعم ربما يكون نسخ أحد الشطرين مسهلا لتطرق احتمال نسخ الشطر الآخر فيكون هذا الاحتمال قائما فيما نحن فيه فيضعف عن درجة الآحاد التي لم يتطرق ذلك الاحتمال إليها فيكون أحرى أن لا ينسخ ما أفاده الكتاب من أن الخد هو الجلد لا غير على ما سمعت تقريره فتأمل.
ثم إن التغريب ليس خصوصا بالرحل عند أولئك الأئمة فقد قالوا: تغرب المرأة مع محرم وأجرته عليها في قول وفي بيت المال في آخر، ولو امتنع ففي قول يجبره الإمام وفي آخر لا، ولو كانت الطريق آمنة ففي تغريبها بلا محرم قولان، وعند مالك. والأوزاعي إنما ينفي الرجل ولا تنفي المرأة لقوله عليه الصلاة والسلام: " البكر بالبكر " الخ، وقال غيرهما ممن تقدم: إن الحديث يجب أن يشملها فإن أوله " خذوا عني قد جعل الله تعالى لهن سبيلا البكر البكر " الخ وهو نص على أن النفي والجلد سبيل للنساء والبكر يقال: على الأنثى ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام: " البكر تستأذن " ومع قطع النظر عن كل ذلك قد يقال: إن هذا من المواضع التي تثبت الأحكام فيه في النساء بالنصوص المفيدة اياها للرجال بتنقيح المناط، هذا ثم لا يخفى أن الظاهر من * (الزانية والزاني) * ما يشمل الرقيق وغيره فيكون مقدار الحد في الجميع واحدا لكن قوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * الآية أخرجت الإماء فإن الآية نزلت فيهن، وكذا أخرجت العبيد إذ لا فرق بين الذكر والأنثى بتنقيح المناط فيرجع في ذلك إلى دلالة النص بناء على أنه لا يشترط في الدلالة أولوية المسكوت بالحكم من المذكور بل المساواة تكفي فيه وقيل تدخل العبيد بطريق التغليب عكس القاعدة وهي تغليب الذكور.
ولا يشترط الإحصان في الرقيق لما روي مسلم. وأبو داود. والنسائي عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن ومن لم يحصن " وفيه دليل على أن الشرط أعني الاحصان في الآية الدالة على تنصيف الحد لا مفهوم له، ونقل عن ابن عباس. وطاوس أنه لا حد على الأمة حتى تحصن بزوج، وفيه اعتبار المفهوم، ثم هذا الإحصان شرط للجلد لأن الرجم لا يتنصف، وللشافعي في تغريب العبد أقوال: يغرب سنة. يغرب نصف سنة. لا يغرب أصلا والخطاب في قوله تعالى: * (فاجلدوا) * لأئمة المسلمين ونوابهم.
واختلف في إقامة المولى الحد على عبده فعندنا لا يقيمه إلا بإذن الإمام؛ وقال الشافعي. ومالك. وأحمد يقيمه من غير اذن، وعن مالك إلا في الأمة المزوجة، واستثنى الشافعي من المولى. الذمي. والمكاتب. والمرأة، وكذا اختلف في إقامة الخارجي المتغلب الحد فقيل يقيم وقيل لا، وأدلة الأقوال المذكورة وتحقيق ما هو الحق منها في محله. والظاهر أن إقامة الحد المذكور بعد تحقق الزنا بإحدى الطرق المعلومة، وقال اسحق: إذا وجد رجل وامرأة في ثوب واحد يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وروي ذلك عن عمر. وعلى رضي الله تعالى عنهما، وقال عطاء. والثوري. ومالك. وأحمد: يؤدبان على مذاهبهم في الأدب * (ولا تأخذكم بهما رأفة) * تلطف ومعاملة برفق وشفقة * (في دين الله) * في طاعته وإقامة حده الذي شرعه عز وجل، والمراد النهي عن
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»