في أمة) * (الرعد: 30) لا غاية له كما في قوله تعالى: * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (الأعراف: 59) للإيذان من أول الأمر أن من أرسل إليهم لم يأتهم من غير مكانهم بل إنما نشأ فيما بين أظهرهم، و * (أن) * في [بم قوله تعالى:
* (فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره أفلا تتقون) *.
* (أن اعبدوا الله) * مفسرة لتضمن الإرسال معنى القول أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله، وجوز كونها مصدرية ولا مانع من وصلها بفعل الأمر وقبلها جار مقدر أي أرسلنا فيهم رسولا بأن اعبدوا الله وحده * (ما لكم من إلاه غيره أفلا تتقون) * الكلام فيه كالكلام في نظيره المار في قصة نوح عليه السلام.
* (وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقآء الاخرة وأترفناهم فى الحيواة الدنيا ما هاذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) *.
* (وقال الملأ) * أي الأشراف * (من قومه) * بيان لهم، وقوله تعالى: * (الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة) * أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب أو بالمعاد أو بالحياة الثانية صفة للملأ جىء بها ذما لهم وتنبيها على غلوهم في الكفر، ويجوز أن تكون للتمييز إن كان في ذلك القرن من آمن من الأشراف، وتقديم * (من قومه) * هنا على الصفة مع تأخيره في القصة السابقة لئلا يطول الفصل بين البيان والمبين لو جىء به بعد الصفة وما في حيزها مما تعلق بالصلة مع ما في ذلك من توهم تعلقه بالدنيا أو يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه لو جىء به بعد الوصف وقبل العطف كذا قيل.
وتعقب بأنه لا حاجة إلى ارتكاب جعل * (الذين) * صفة للملأ وإبداء نكتة للتقديم المذكور مع ظهور جواز جعله صفة لقومه. ورد بأن الداعي لارتكابه عطف قوله تعالى: * (وأترفناهم في الحياوة الدنيا) * أي نعمناهم ووسعنا عليهم فيها على الصلة فيكون صفة معنى للموصوف بالموصول والمتعارف إنما هو وصف الأشراف بالمترفين دون غيرهم وكذا الحال إذا لم يعطف وجعل حالا من ضمير * (كذبوا) * وأنت تعلم أنا لا نسلم أن المتعارف إنما هو وصف الأشراف بالمترفين ولئن سلمنا فوصفهم بذلك قد يبقى مع جعل الموصول صفة لقومه بأن يجعل جملة * (أترفناهم) * حالا من * (الملأ) * بدون تقدير قد أو بتقديرها أي قال الملأ في حق رسولنا * (ما هذا إلا بشر مثلكم) * الخ في حال إحساننا عليهم.
نعم الظاهر لفظا عطف جملة * (أترفناهم) * على جملة الصلة، والأبلغ معنى جعلها حالا من الضمير لإفادته الإساءة إلى من أحسن وهو أقوى في الذم، وجىء بالواو العاطفة في * (وقال الملأ) * هنا ولم يجأ بها بل جىء بالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا في موضع آخر لأن ما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين أعني مقالة المرسل ومقالة المرسل إليهم لا حكاية المقاولة لأن المرسل إليهم قالوا ما قالوا بعضهم لبعض وظاهر إباء ذلك الاستئناف وأما هنالك فيحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليهم واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين كذا في " الكشف "، ولا يحسم مادة السؤال إذ يقال معه: لم حكى هنالك المقاولة وهنا التفاوت بين المقالتين ولم يعكس؟ ومثل هذا يرد على من علل الذكر هنا والترك هناك بالتفنن بأن يقال: إنه لو عكس بأن ترك هنا وذكر هناك لحصل التفنن أيضا، وأنا لم يظهر لي السر في ذلك ، وأما الإتيان بالواو هنا والفاء في * (فقال الملأ) * في قصة نوح عليه السلام فقد قيل: لعله لأن كلام الملأ هنا لم يتصل بكلام رسولهم بخلاف كلام قوم نوح عليه السلام والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.
ولا يخفى ما في قولهم * (ما هذا) * الخ من المبالغة في توهين أمر الرسول عليه السلام وتهوينه قاتلهم الله