تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٨
أحد ولو عدوا من حيث كونها مصيبة له بل لما تضمنته من السلامة من ضرره أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله.
وأنت تعلم أن الحمد هنا رديف الشكر فإذا خص بالنعمة الواصلة إلى الشاكر لا يصح أن يتعلق بالمصيبة من حيث أنها مصيبة وهو ظاهر، وفي أمره عليه السلام بالحمد على نجاة أتباعه إشارة إلى أنه نعمة عليه أيضا.
* (وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) *.
* (وقل رب أنزلني) * في الفلك * (منزلا) * أي إنزالا أو موضع إنزال * (مباركا) * يتسبب لمزيد الخير في الدارين * (وأنت خير المنزلين) * أي من يطلق عليه ذلك، والدعاء بذلك إذا كان بعد الدخول فالمراد إدامة ذلك الإنزال ولعل المقصود إدامة البركة، وجوز أن يكون دعاء بالتوفيق للنزول في أبرك منازلها لأنها واسعة، وإن كان قبل الدخول فالأمر واضح. وروى جماعة عن مجاهد أن هذا دعاء أمر نوح عليه السلام أن يقوله عند النزول من السفينة فالمعنى رب أنزلني منها في الأرض منزلا الخ، وأخذ منه قتادة ندب أن يقول راكب السفينة عند النزول منها * (رب أنزلني) * الخ، واستظهر بعضهم الأول إذ العطف ظاهر في أن القولين وقت الاستواء، وأعاد * (قل) * لتعدد الدعاء، والأول متضمن دفع مضرة ولذا قدم وهذا لجلب منفعة.
وأمره عليه السلام أن يشفع دعاءه ما يطابقه من ثنائه عز وجل توسلا به إلى الإجابة فإن الثناء على المحسن يكون مستدعيا لإحسانه. وقد قالوا: الثناء على الكريم يغني عن سؤاله، وإفراده عليه السلام بالأمر مع شركة الكل في الاستواء لإظهار فضله عليه السلام وأنه لا يليق غيره منهم للقرب من الله تعالى والفوز بعز الحضور في مقام الإحسان مع الإيماء إلى كبريائه عز وجل وأنه سبحانه لا يخاطب كل أحد من عباده والإشعار بأن في دعائه عليه السلام وثنائه مندوحة عما عداه.
وقرأ أبو بكر. والمفضل. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وأبان * (منزلا) * بفتح الميم وفتح الزاي أي مكان نزول. وقرأ أبو بكر عن عاصم * (منزلا) * بفتح الميم وكسر الزاي. قال أبو علي: يحتمل أن يكون المنزل على هذه القراءة مصدرا وأن يكون موضع نزول.
* (إن فى ذالك لأي‍ات وإن كنا لمبتلين) *.
* (إن في ذلك) * الذي ذكر مما فعل به عليه السلام وبقومه * (لآي‍ات) * جليلة يستدل بها أولوا الأبصار ويعتبر ذوو الاعتبار * (وإن كنا لمبتلين) * إن مخففة من إن واللام فارقة بينها وبين إن النافية وليست إن نافية واللام بمعنى إلا والجملة حالية أي وإن الشأن كنا مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا للنظر من يعتبر ويتذكر، والمراد معاملين معاملة المختبر وهذا كقوله تعالى: * (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) * (القمر: 15).
* (ثم أنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين) *.
* (ثم أنشأنا من بعدهم) * أي من بعد إهلاك قوم نوح عليه السلام * (قرنا ءاخرين) * هم عاد أو ثمود * (فأرسلنا فيهم رسولا منهم) * هو هود أو صالح عليهما السلام، والأول هو المأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإليه ذهب أكثر المفسرين، وأيد بقوله تعالى حكاية عن هود (الأعراف: 69) * (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * وبمجىء قصة عاد بعد قصة قوم نوحف ي سورة الأعراف وسورة هود وغيرهما؛ واختار أبو سليمان الدمشقي. والطبري الثاني واستدلا عليه بذكر الصيحة آخر القصة والمعروف أن قوم صالح هم المهلكون بها دون قوم هود، وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى، وجعل القرن ظرفا للإرسال كما في قوله تعالى: * (كذلك أرسلناك
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»