تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٢٤
* (فأذن لمن شئت منهم) * تفويض للأمر إلى رأيه صلى الله عليه وسلم؛ واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة التفويض المختلف في جوازها بين الأصوليين وهي أن يفوض الحكم إلى المجتهد فيقال له: احكم بما شئت فإنه صواب فأجاز ذلك قوم لكن اختلفوا فقال موسى بن عمران: بجواز ذلك مطلقا للنبي وغيره من العلماء، وقال أبو علي الجبائي: بجواز ذلك للنبي خصة في أحد قوليه، وقد نقل عن الإمام الشافعي عليه الرحمة في الرسالة ما يدل على التردد بين الجواز والمنغ ومنع من ذلك الباقون. والمجوزون اختلفوا في الوقوع، قال الآمدي: والمختار الجواز دون الوقوع، وقد أطال الكلام في هذا المقام فليراجع. والذي أميل إليه جواز أن يفوض الحكم إلى المجتهد إذا علم أنه يحكم ترويا لا تشيها ويكون التفويض حينئذ كالأمر بالاجتهاد، والأليق بشأن الله تعالى وشأن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينزل ما هنا على ذلك وتكون المشيئة مقيدة بالعلم بالمصلحة. وذكر بعض الفضلاء أنه لا خلاف في جواز أن يقال: احكم بما شئت ترويا بل الخلاف في جواز أن يقال: احكم بما شئت تشهيا كيفما اتفق، وأنت تعلم أنه بعد التقييد لا يكون ما نحن فيه من محل النزاع، ومن الغريب ما قيل: إن المراد ممن شئت منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا يخفى ما فيه * (واستغفر لهم الله) * فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة. وتقديم * (لهم) * للمبادرة إلى أن الاستغفار للمستأذنين لا للإذن.
* (إن الله غفور) * مبالغ في مغفرة فرطات العباد * (رحيم) * مبالغ في إفاضة شابيب الرحمة عليهم، والجملة تعليل للمغفرة الموعودة في ضمن الاستغفار لهم، وقد بالغ جل شأنه في الاحتفال برسوله صلوات الله تعالى وسلامه عليه فجعل سبحانه الاستئذان للذهاب عنه ذنبا محتاجا للاستغفار فضلا عن الذهاب بدون إذن ورتب الإذن على الاستئذان لبعض شأنهم لا على الاستئذان مطلقا ولا على الاستئذان لأي أمر مهما كان أو غير مهم ومع ذلك علق الإذن بالمشيئة، وإذا اعتبرت وجوه المبالغة في قوله تعالى: * (إنما المؤمنون) * إلى هنا وجدتها تزيد على العشرة. وفي أحكام القرآن للجلال السيوطي أن في الآية دليلا على وجوب استئذانه صلى الله عليه وسلم قبل الانصراف عنه عليه الصلاة والسلام في كل أمر يجتمعون عليه، قال الحسن: وغير الرسول صلى الله عليه وسلم من الأئمة مثله في ذلك لما فيه من أدب الدين وأدب النفس، وقال ابن الفرس: لا خلاف في الغزو أنه يستأذن إمامه إذا كان له عذر يدعوه إلى الانصراف واختلف في صلاة الجمعة إذا كان له عذر كالرعاف وغيره فقيل يلزمه الاستئذان سواء كان أمامه الأمير أم غيره أخذا من الآية وروى ذلك عن مكحول. والزهري * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والالتفات لإبراز مزيد الاعتناء بشأنه أي لا تقيسوا دعاءه عليه الصلاة والسلام إياكم على دعاء بعضكم بعضا في حال من الأحوال وأمر من الأمور التي من جملتها المساهلة فيه والرجوع عن مجلسه عليه الصلاة والسلام بغير استئذان فإن ذلك من المحرمات، وإلى نحو هذا ذهب أبو مسلم واختاره المبرد. والقفال، وقيل المعنى لا تحسبوا دعاءه صلى الله عليه وسلم عليكم كدعاء بعضكم
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»