تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢١
تتفكهون بها وتتنعمون زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي، والمراد بها ما عدا ثمرات النخيل والأعناب.
* (ومنها) * أي من الجنات والمراد من زروعها وثمارها، ومن ابتدائية وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول * (تأكلون) * والمراد بالأكل معناه الحقيقي.
وجوز أن يكون مجازا أو كناية عن التعيش مطلقا أي ومنها ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته، وجوز أن يعود الضميران للنخيل والأعناب أي لكن في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والدبس من كل منهما وغير ذلك وطعام تأكلونه فثمرتهما جامعة للتفكه والغذاء بخلاف ثمرة ما عداهما وعلى هذا تكون الفاكهة مطلقة على ثمرتهما. وذكر الراغب في الفاكهة قولين: الأول أنها الثمار كلها، والثاني أنها ما عدا العنب والرمان، وصاحب القاموس اختار الأول وقال: قول مخرج التمر والرمان منها مستدلا بقوله تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمان: 68) باطل مردود، وقد بينت ذلك مبسوسا في اللامع المعلم العجاب اه‍؛ وأنت تعلم أن للفقهاء خلافا في الفاكهة فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها التفاح والبطيخ والمشمش والكمثري ونحوها لا العنب والرمان والرطب، وقال صاحباه: المستثنيات أيضا فاكهة وعليه ال فتوى، ولا خلاف كما في القهستاني نقلا عن الكرماني في أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليس بفاكهة.
وفي الدر المختار أن الخلاف بين الإمام وصاحبيه خلاف عصر فالعبرة فيمن حلف لا يأكل الفاكهة العرف فيحنث بأكل ما يعد فاكهة عرفا ذكر ذلك الشمني وأقره الغزي، ولا يخفى أن شيئا واحدا يقال له فاكهة في عرف قوم ولا يقال له ذلك في عرف آخرين، ففي النهر عن المحيط ما روي من أن الجوز واللوز فاكهة فهو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه اه‍، ثم إني لم أر أحدا من اللغويين ولا من الفقهاء عد الدبس فاكهة فتدبر ولا تغفل.
* (وشجرة تخرج من طور سينآء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين) *.
* (وشجرة) * بالنصب عطف على * (جنات) *، وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، والأولى تقديره مقدما أي أنشأنا لكن شجرة * (تخرج من طور سيناء) * وهو جبل موسى عليه السلام الذي ناجى ربه سبحانه عنده وهو بين مصر وابلة، ويقال لها اليوم العقبة، وقيل بفلسطين من أرض الشام، ويقال له طور سينين، وجمهور العرب على فتح سين سيناء والمد. وبذلك قرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. ويعقوب. وأكثر السبعة وهو اسم للبقعة. والطور اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو مضاف إلى * (سيناء) * كما أجمعوا عليه. ويقصد تنكيره على الأول كما في سائر الأعلام إذا أضيفت، وعلى الثاني يكون طور سيناء كمنارة المسجد.
وجوز أن يكون كامرىء القيس بمعنى أنه جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علما على ذلك العلم، وقيل سيناء اسم لحجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وروي هذا عن مجاهد. وفي الصحاح طور سيناء جبل بالشام وهو طور أضيف إلى سيناء وهو شجر. وقيل هو اسم الجبل. والإضافة من إضافة العام إلى الخاص كما في جبل أحد.
وحكى هذا القول في البحر عن الجمهور لكن صحح القول بأنه اسم البقعة وهو ممنوع من الصرف للألف
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»