بنقصانها وإن استحالة ألاهوية والأبخرة المنخصرة في الأرض لا مدخل لها في ذلك فإن باطن الأرض في الصيف أشد بردا منه في الشتاء فلو كان ذلك سبب استحالتها لوجب أن تكون العيون والقنوات ومياه الآبار في الصيف أزيد وفي الشتاء أنقص مع أن الأمر بخلاف ذلك على ما دلت عليه التجربة انتهى، واختار القاضي حسين المبيدي أن لكل من الأمرين مدخلا، واعترض على دليل أبي البركات بأنه لا يدل إلا على نفي كون تلك الاستحالة سببا تاما وأما على أنها لا مدخل لها أصلا فلا. والحق ما يشهد له كتاب الله تعالى فهو سبحانه أعلم بخلقه، وكل ما يذكره الفلاسفة في أمثال هذه المقالات لا دليل لهم عليه يفيد اليقين كما أشار إليه شارح حكمة العين، وقيل: المراد بهذا الماء ماء أنهار خمسة، فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنزل الله تعالى من الجنة إلى الألاض خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ. ودجلة والفرات. وهما نهرا العراق. والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم وذلك قوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الأرض) * فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام إبراهيم عليه السلام وتابوت موسى عليه السلام بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قول الله تعالى: * (وإنا على ذهاب لقادرون) * فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة " ولا يخفي على المتتبع أن هذا الخبر أخرجه ابن مردويه. والخطيب بسند ضعيف، نعم حديث أربعة أنهار من الجنة سيحان. وجيحان وهما غير سيحون وجيحون لأنهما نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس وسيحون وجيحون نهر الهند وبلخ كما سمعت على ما قاله عبد البر والفرات. والنيل صحيح لكن الكلام في تفسير الآية بذلك. وعن مجاهد أنه حمل الماء على ما يعم ماء المطر وماء البحر وقال: ليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء، وأنت تعلم أن الأوفق بالاخبار وبما يذكر بعد في الآية الكريمة كون المراد به ما عدا ماء البحر.
* (وإنا على ذهاب به) * أي على إزالته بإخراجه عن المائية أو بتغويره بحيث يتعذر استخراجه أو بنحو ذلك * (لقادرون) * كما كنا قادين على إنزاله، فالجملة في موضع الحال. وفي تنكير * (ذهاب) * إيماء إلى كثرة طرقه لعموم النكرة وإن كانت في الإثبات وبواسطة ذلك تفهم المبالغة في الإثبات، وهذه الآية أكثر مبالغة من قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) * (الملك: 30).
وذكر صاحب التقريب ثمانية عشر وجها للأبلغية، الأول أن ذلك على الفرض والتقدير، وهذا الجزم على معنى أنه أدلة على تحقيق ما أوعد به وإن لم يقع. الثاني التوكيد بأن. الثالث اللام في الخبر. الرابع أن هذه في مطلق الماء المنزل من السماء وتلك في ماء مضاف إليهم. الخامس أن الغائر قد يكون باقيا بخلاف الذاهب. السادس م في تنكير * (ذهاب) * من المبالغة. السابع اسناده ههنا إلى مذهب بخلافه ثمت حيث قيل * (غورا) *. الثامن ما في ضمير المعظم نفسه من الروعة. الناسع ما في * (قادرون) * من الدلالة على القدرة عليه والفعل الواقع من القادر أبلغ. العاشر ما في جمعه. الحادي عشر ما في لفظ * (به) * من الدلالة على أن ما يمسكه